فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

وقيل هو في الأصل اسم مدينة بناها مدين المذكور والتقدير إلى أهل مدين قال المقريزي في الخطط : إن مدين أمة شعيب هم بنو مديان ابن إبراهيم وأمهم قنطورا ابنة يقطان الكنعانية ولدت له ثمانية من الولد تناسلت منهم أمم ومدين على بحر القلزم تحاذي تبوك على نحو ست مراحل وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى لسائمة شعيب وعمل عليها بيت .

قال الفراء : مدين اسم بلد وقطر والجمهور على أن مدين أعجمي ، وقيل عربي ، فإن كان عربيا فإنه يحتمل أن يكون فعيلا من مدن بالمكان أقام به وهو بناء نادر ، وقيل مهمل أو مفعلا من دان فتصحيحه شاذ وهو ممنوع الصرف على كل حال ، سواء كان اسم الأرض أو اسم القبيلة عجميا أو عربيا 1ه وبه قال النحاس وقد تقدم الكلام على هذا في الأعراف بأبسط مما هنا وهم قوم شعيب .

{ أخاهم } في النسب لأن { شعيبا } ابن ميكائيل ابن يشجر ابن مدين ابن إبراهيم عليه السلام ، وقد تقدم تفسير قوله { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } في أول السورة وهذه الجملة مستأنفة كأنه قيل ماذا قال لهم شعيب عليه السلام لما أرسله الله تعالى إليهم .

وقد كان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه وهذه عادة الأنبياء عليه السلام يبدؤون بالأهم فالأهم .

ولما كان الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء دعاهم إليه ثم نهاهم عن أن ينقصوا المكيال والميزان لأنهم كانوا مع كفرهم أهل تطفيف وكان المعتاد منهم البخس في الكيل والوزن وكانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد ، وكذلك إذا وصل إليهم الموزون أخذوا بوزن زائد وإذا باعوا باعوا بكيل ناقص ووزن ناقص فقال :

{ ولا تنقصوا المكيال والميزان } أي لا عند الأخذ ولا عند الدفع ، والنقص فيهما على وجهين كما قدمنا الإشارة إليه ، والمراد بالمكيال المكيل به وبالميزان الموزون به ، وهذا أبلغ في الأمر بوفائهم { إني أراكم بخير } أي بثروة وسعة في الرزق تغنيكم عن البخس فلا تغيروا نعمة الله عليكم بمعصيته والإضرار بعباده وهذه النعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شكرا عليها لا أن تنقصوا حقوقهم وهو في الجملة علة النهي .

ثم ذكر بعد هذه العلة علة أخرى فقال { وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط } فهذه العلة فيها الإذكار لهم بعذاب الآخرة كما أن العلة الأولى فيها الإذكار لهم بنعيم الدنيا ، ووصف اليوم بالإحاطة والمراد العذاب لأن العذاب واقع في اليوم فهو مجاز في الإسناد كقولهم نهاره صائم ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم أنه لا يشذ منهم أحد عنه ولا يجدون منه ملجأ ولا مهربا واليوم هو يوم القيامة وقيل هو يوم الانتقام منهم في الدنيا بالصيحة . قال ابن عباس : الخير رخص السعر والعذاب غلاء السعر .