السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

القصة السادسة : التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة شعيب عليه السلام المذكورة في قوله تعالى :

{ وإلى مدين } ، أي : وأرسلنا إلى مدين وهم قبيلة ؛ أبوهم مدين بن إبراهيم عليه السلام . وقيل : هو اسم مدينة بناها مدين المذكور ، وعلى هذا فالتقدير : وأرسلنا إلى أهل مدين ، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه ، { أخاهم } ، أي : في النسب لا في الدين و{ شعيباً } عطف بيان وكأنّ قائلاً قال : فما قال لهم ؟ فقيل : { قال } ما قال إخوته من الأنبياء في البداءة بأصل الدين . { يا قوم } مستعطفاً لهم مظهراً غاية الشفقة { اعبدوا الله } ، أي : وحدوه ولا تشركوا به شيئاً { ما لكم من إله غيره } فلقد اتفقت كما ترى كلمتهم ، واتحدت إلى الله تعالى دعوتهم ، وهذا وحده قطعي الدلالة على صدق كل منهم لما علم قطعاً من تباعد أعصارهم ، وتنائي ديارهم ، وإن بعضهم لم يلمّ بالعلوم ، ولا عرف أخبار الناس إلا من الحيّ القيوم ، ولما دعاهم إلى العدل فيما بينهم وبين الله تعالى دعاهم إلى العدل فيما بينهم وبين عبيده في أقبح ما كانوا اتخذوه بعد الشرك تديناً فقال : { ولا تنقصوا } بوجه من الوجوه { المكيال والميزان } ، أي : لا الكيل ولا آلته ولا الوزن ولا آلته ، والكيل تعديل الشيء بالآلة في القلة والكثرة ، والوزن تعديله في الخفة والثقل ، فالكيل العدل في الكمية والوزن العدل في الكيفية ، ثم علل ذلك بقوله : { إني أراكم بخير } ، أي : بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف . قال ابن عباس : كانوا موسرين في نعمة . وقال مجاهد : كانوا في خصب وسعة فحذرهم زوال تلك النعمة وغلاء السعر وحلول النقمة إن لم يؤمنوا ويتوبوا وهو قوله : { وإني أخاف عليكم } إن لم تؤمنوا { عذاب يوم محيط } ، أي : يحيط بكم فيهلككم جميعاً وهو عذاب الاستئصال في الدنيا وعذاب النار في الآخرة ، ومنه قوله تعالى : { وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين } [ العنكبوت ، 54 ] والمحيط من صفة اليوم في الظاهر ، وفي المعنى من صفة العذاب وذلك مجاز مشهور ، كقوله : { هذا يوم عصيب } [ هود ، 77 ] .