الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

قوله تعالى : { وَلاَ تَنقُصُواْ } : " نَقَصَ " يتعدَّى لاثنين ، إلى أولهما بنفسه ، وإلى ثانيهما بحرف الجر ، وقد يُحْذَفُ ، تقول : نَقَصْت زيداً مِنْ حقَّه ، وهو هنا كذلك ؛ إذ المرادُ : ولا تَنْقُصوا الناسَ من المكيال ، ويجوز أن يكون متعدِّياً لواحدٍ على المعنى ، والمعنى : لا تُقَلِّلوا وتُطَفِّفوا ، ويجوز أن يكون " المكيالَ " مفعولاً أول والثاني محذوف ، وفي ذلك مبالغة ، والتقدير : ولا تَنْقُصوا المكيالَ والميزانَ حَقَّهما الذي وَجَبَ لهما وهو أبلغُ في الأمر بوفائهما .

قوله : { مُّحِيطٍ } صفة لليوم ، ووُصِف به من قولهم : أحاط به العدوُّ ، وقوله : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [ الكهف : 42 ] . قال الزمخشري : " إنَّ وَصْفَ اليوم بالإِحاطة أبلغُ مِنْ وصف العذاب بها " قال : " لأنَّ اليومَ زمانٌ يشتمل على الحوادث ، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذَّب ما اشتمل عليه منه كما إذا أحاط بنعيمه " .

وزعم قومٌ أنه جُرَّ على الجِوار ، لأنه في المعنى صفةٌ للعذاب ، والأصلُ : عذاب يوم محيطاً . وقال آخرون : التقدير : عذاب يومٍ محيطٍ عذابُه . قال أبو البقاء : " وهو بعيدٌ ؛ لأنَّ محيطاً قد جَرَى على غير مَنْ هوله ، فيجب إبرازُ فاعله مضافاً إلى ضمير الموصوف .