معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

قوله تعالى :{ يطاف عليهم بصحاف } جمع صحفة وهي القصعة الواسعة ، { من ذهب وأكواب } جمع كوب وهو إناء مستدير مدور الرأس لا عرى لها ، { وفيها } يعني في الجنة ، { ما تشتهيه الأنفس } قرأ أهل المدينة والشام وحفص : { تشتهيه الأنفس } ، وكذلك في مصاحفهم ، وقرأ الآخرون بحذف الهاء . { وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون } أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن عبد الرحمن بن سابط قال : قال رجل : يا رسول الله أفي الجنة خيل ؟ فإني أحب الخيل ، فقال : " إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرساً من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت ، إلا فعلت ، وقال أعرابي : يا رسول الله أفي الجنة إبل ؟ فإني أحب الإبل ؟ فقال : " يا أعرابي إن يدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

{ يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب } الصحاف جمع صحفة ، والأكواب جمع كوب وهو كوز لا عروة له . { وفيها } وفي الجنة { ما تشتهي الأنفس } وقرأ نافع وابن عامر وحفص { تشتهيه الأنفس } على الأصل . { وتلذ الأعين } بمشاهدته وذلك تعميم بعد تخصيص ما يعد من الزوائد في التنعم والتلذذ . { وأنتم فيها خالدون } فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وخوف الزوال ومستعقب للتحسر في ثاني الحال .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

جملة { يطاف عليهم بصحاف } الخ معترضة بين أجزاء القول فليس في ضمير { عليهم } التفات بل المقام لضمير الغيبة .

والصحاف : جمع صحفة ، وهي : إناء مستدير واسع الفم ينتهي أسفله بما يقارب التكوير . والصحفة : إناء لوضع الطعام أو الفاكهة مثل صحاف الفغفوري الصيني تسَع شِبْع خمسة ، وهي دون القصعة التي تسع شِبْع عشرة . وقد ورد أن عمر بن الخطاب اتخذ صِحافاً على عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلا يؤتى إليه بفاكهة أو طُرْفَة إلا أرسل إليهن منها في تلك الصحاف .

والأكواب : جمع كُوب بضم الكاف وهو إناء للشراب من ماء أو خمر مستطيل الشكل له عنق قصير في أعلى ذلك العنق فمه وهو مصبّ ما فيه ، وفمه أضيق من جوفه ، والأكثر أن لا تكون له عروة يُمسَك منها فيمسك بوضع اليد على عنقه ، وقد تكون له عروة قصيرة ، وهو أصغر من الإبريق إلا أنه لا خرطوم له ولا عروة في الغالب . وأما الإبريق فله عروة وخرطوم .

وحذف وصف الأكواب لدلالة وصف صحاف عليه ، أي وأكواب من ذهب . وهذه الأكواب تكون للماء وتكون للخمر .

وجملة { وفيها ما تشتهيه الأنفس } الخ حال من { الجنة } ، هي من بقية القول .

وضمير { فيها } عائد إلى { الجنة } ، وقد عمّ قوله : { ما تشتهيه الأنفس } كلّ ما تتعلق الشهوات النفسية بنواله وتحصيله ، والله يخلق في أهل الجنة الشهوات اللائقة بعالم الخلود والسمو .

و { تَلَذُّ } مضارع لَذّ بوزن عَلِم : إذا أحسّ لذة ، وحق فعله أن يكون قاصراً فيعدّى إلى الشيء الذي به اللّذة بالباء فيقال : لذ به ، وكثر حذف الباء وإيصال الفعل إلى المجرور بنفسه فينتصب على نزع الخافض ، وكثر ذلك في الكلام حتى صار الفعل بِمَنزلة المتعدي فقالوا : لذّهُ . ومنه قوله هنا : { وتلذّ الأعين } التقدير ، وتلذُّهُ الأعين . والضمير المحذوف هو رابط الصلة بالموصول . ولذة الأعين في رؤية الأشكال الحسنة والألوان التي تنشرح لها النفس ، فلذّة الأعين وسيلة للذة النفوس فعطف { وتلَذّ الأعين } على { ما تشتهيه الأنفس } عطف ما بينه وبين المعطوف عليه عمومٌ وخصوص ، فقد تشتهي الأنفس ما لا تراه الأعين كالمحادثة مع الأصحاب وسماعِ الأصوات الحسنة والموسيقى . وقد تبصر الأعين ما لم تسبق للنفس شهوة رؤيتِه أو ما اشتهت النفس طعمه أو سمعه فيؤتى به في صور جميلة إكمالاً للنعمة . و { الأنفس } فاعل { تلَذّ } وحْذف المفعول لظهوره من المقام .

وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم وأبو جعفر { ما تشتهيه } بهاء ضمير عائد إلى { ما } الموصولة وكذلك هو مرسوم في مصحف المدينة ومصحف الشام ، وقرأه البَاقون { ما تشتهي } بحذف هاء الضمير ، وكذلك رُسم في مصحف مكة ومصحف البصرة ومصحف الكوفة . والمروي عن عاصم قارىء الكوفة روايتان : إحداهما أخذ بها حفص والأخرى أخذ بها أبو بكر . وحذف العائد المتصل المنصوب بفعل أو وصف من صلة الموصول كثير في الكلام .

وقوله : { وأنتم فيها خالدون } بشارة لهم بعدم انقطاع الحَبْرة وسعة الرزق ونيل الشهوات ، وجيء فيه بالجملة الاسمية الدالة على الدوام والثبات تأكيداً لحقيقة الخلود لدفع توهم أن يراد به طول المدة فحسب .

وتقديم المجرور للاهتمام ، وعطف على بعض ما يقال لهم مقول آخر قُصد منه التنويه بالجنة وبالمؤمنين إذ أُعطوها بسبب أعمالهم الصالحة ، فأشير إلى الجنة باسم إشارة البعيد تعظيماً لشأنها وإلا فإنها حاضرة نصب أعينهم .