الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

ثم قال تعالى : { يطاف عليهم بصحاف من ذهب } أي : يطاف على هؤلاء الذين آمنوا فيا لجنة بقصاع من ذهب وأكواب من ذهب ، أي : يطوف عليهم بذلك الغلمان .

( والأكواب : التي ليست لها آذان ) ، قاله السدي{[61805]} .

وقال قتادة : هي دون الأباريق{[61806]} . وقيل : الكوب الإبريق{[61807]} المستدير الذي لا أذن له ولا خرطوم{[61808]} .

والمعنى : يطاف{[61809]} عليهم في الجنة بصحاف الطعام وأكواب الشراب من ذهب . فاستغنى بذكر الصحاف والأكواب عن ذكر الطعام والشراب لمعرفة السامعين بمعناه .

قال ابن جبير : إن أدنى أهل الجنة منزلة من له قصر فيه سبعون ألف خادم ، في يد كل خادم صحفة سوى ما في يد صاحبتها . لو فَتَح بابه فضافه أهل الدنيا لوسعهم ، لا يستعين{[61810]} عليهم بشيء{[61811]} من غيره ، وذلك قوله : { لهم ما يشاءون فيها }{[61812]}{ وفيها ما تشتهيه الأنفس }[ 71 ]{[61813]} .

قال عبد الله بن عمر : ( وما أحد ){[61814]} من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام ، ( كل غلام على ){[61815]} عمل خلاف ما عليه صاحبه{[61816]} .

وقوله : { وفيها ما تشتهيه الأنفس } أي : وفي الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون وتلذ أعينكم . { وأنتم فيها خالدون } ، أي : ماكثون أبدا .

وروى سفيان أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ، إني أحب الخيل ، فهل في الجنة خيل ؟ فقال له : " إني دخلك الله الجنة – إن شاء الله – فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء يطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت " . فقال الأعرابي{[61817]} : يا رسول الله ، إني{[61818]} أحب الإبل ، فهل في الجنة إبل ؟ فقال : " يا أعرابي ، إن يدخلك الله{[61819]} الجنة – إن شاء الله{[61820]} – ففيها ما اشتهت نفسك لك{[61821]} ولذَّت{[61822]} عينك " {[61823]} .

وقال أبو أمامة{[61824]} : إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير فيقع في كفه نضيجا{[61825]} فيأكل منه ( حيث تشتهي ){[61826]} نفسه / ثم يطير ، ويشتهي الشراب ، فيقع الإبريق في يده{[61827]} فيشرب منه ما يريد ، ثم يرجع إلى مكانه{[61828]} .

وقال أبو طيبة السلمي : إن الشرب{[61829]} من أهل الجنة لََتُظِلُّهُم{[61830]} السحاب ، فقال فتقول : ما أمطركم ؟ قال : فما يدعو داع شيئا إلا أمطرتهم ، حتى إن القائل منهم ليقول : أمطرينا كواعب أترابا{[61831]} .


[61805]:انظر جامع البيان 25/58، وجامع القرطبي 16/114.
[61806]:(ح): (الابريق). وانظر الدر المنثور 7/391.
[61807]:(ت): (الاباريق).
[61808]:قال أبو عبيدة في مجازه 2/206 وابن المبارك في غريبه 334 إن الأكواب هي الأباريق التي لا خراطيم لها. وقال الفراء في معانيه إن الكوب هو المستدير الرأس الذي لا أذن له 3/37 ويقوله له قال الزجاج في معانيه 4/419، والضحاك في المهذب 73.
[61809]:(ت): (يطوفه).
[61810]:(ت): (لا يشبعين).
[61811]:ساقط من (ت).
[61812]:ق آية 35.
[61813]:وهذا القول جاء جامع البيان من رواية جعفر عن سعيد 25/57.
[61814]:(ح): (وما من أحد).
[61815]:في طرة (ت).
[61816]:انظر جامع البيان 25/57.
[61817]:(ت): (الاعراب).
[61818]:في طرة (ت).
[61819]:في طرة (ت).
[61820]:ساقط من (ت).
[61821]:ساقط من (ح).
[61822]:(ح): (ولذة).
[61823]:أخرجه الترمذي في كتاب الجنة باب 11 ج 10/13 عن سليمان بن يزيد عن أبيه بمعناه، وأخرجه أحمد 5/352 عن ابن بريدة عن أبيه بمعناه.
[61824]:هو صُدي بن عجلان بن وهب الباهلي أبو أمامه صحابي جليل قَاتَل مع علي في صفين وسكن الشام وهو آخر مات من الصحابة بالشام. توفي سنة 81 هـ وقيل 86 هـ. انظر صفة الصفوة 1/733 ت 113، والإصابة 2/182 ت 4059، والتقريب 1/366 ت 93.
[61825]:(ح): (نضيحا) وفي اللسان أن النضيج هو المطبوخ (مادة: نضج).
[61826]:(ت) (حتى تنتهي).
[61827]:(ح): (كفه).
[61828]:انظر جامع البيان 25/58.
[61829]:جاء في مثلثات قطرب: (فأما الشرب فهم القوم يشربون، وهم الندامى) 38. وهو كذلك في اللسان (مادة: شرب).
[61830]:(ح): (لتضلهم).
[61831]:(ح): أتراب.