اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

قوله تعالى : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

قوله : «يُطَافُ عَلَيْهِمْ » قبله محذوف أي يَدْخُلُونَ ( و ) يُطَافُ{[50048]} . والصِّحَافُ جمع صَحْفَةٍ كجَفْنَةٍ وجِفَانٍ ؛ قال الجوهريُّ : الصحْفَةُ كالقَصْعَةِ{[50049]} . وقال الكسائي : أعظم القِصَا الجَفْنة ، ثم القَصْعَة تشبعُ العشرة ، ثم الصفحة تشبع الخمسة ، ثم المَكِيلةَ تشبع الرجلين والثلاثة ( ثم الصحيفة تشبع الرجل ){[50050]} . والصحيفة الكتاب والجمع صُحُفٌ وصَحَائِفُ . وأمال الكسائي في رواية{[50051]} بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ .

«وأكواب » جمع كُوب ، وهو إناء مستدير مدوَّر الرأس لا عُرى له{[50052]} . وقيل : هو كالإبريق إلا أنه عروة له{[50053]} . وقيل : إنه ما لا خرطوم{[50054]} له . وقيل : إنه لا خرطوم له ولا عروة{[50055]} معاً . قال الجواليقي : ليتمكن الشارب من أين شاء ، فِإن العُرْوَةَ تمنع من ذلك{[50056]} ، وقال عديّ :

4417 مُتَّكِئاً تَصْفِقُ أَبْوَابُه *** يَطُوفُ عَلَيْهِ العَبْدُ بالكُوبِ{[50057]}

والتقدير : وأكواب من ذهب . فقوله : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ } إشارة إلى المطعوم ، وقوله : «وَأَكْوَابٍ » إشارة إلى المشروب . ثم إنه تعالى لما ذكر التفصيل ذكر بياناً كلياً فقال : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين } أي في الجنة .

قوله : { مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس } قرأ نافع وابن عامر وحفص تَشْتَهِيهِ{[50058]} بإثبات العائد على الموصول ، كقوله : ك { الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان } [ البقرة : 275 ] . والباقون بحذفه كقوله : { أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً } [ الفرقان : 41 ] . وهذه القراءة شبيهة بقوله : { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } [ يس : 35 ] . وقد تقدم يسَ . وهذه الهاء في هذه السورة رسمت في مصاحف المدينة والشام وحذفت من غيرها{[50059]} .

وقد وقع لأبي عبد الله الفاسي{[50060]} شارح القصيدة{[50061]} وَهَم فسبق قلمه فكتب والهاء منه محذوفة في مصاحف المدينة والشام ثابتة في غيرهما{[50062]} أراد أن يكتب ثابتة في مصاحف المدينة والشام محذوفة من غيرهما فعكس . وفي مصحف عبد الله : تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّهُ الأعيُنُ بالهاء فيِهِمَا{[50063]} .

فصل

روي أن رجلاً قال يا رسول الله ( هل ) في الجنَّة خَيْلٌ ؟ فإني أُحب الخيل فقال : إن يُدْخِلْكَ الله الجنة فلا تشاء أن يركبك فرساً من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فَعَلْتَ . فقال أعرابي يا رسول الله : أفي الجنة إبل ؟ فإني أحب الإبل فقال يا أعرابي : إنْ أَدْخَلَك الله الجنَّة أَصَبْتَ فيها ما اشتهت نفسك ولَذَّتْ عَيْنُك{[50064]} .


[50048]:انظر التبيان 1141 قال: "تقدير الكلام: يدخلون فيطاف فحذف لفهم المعنى".
[50049]:انظر صحاح الجوهري 4/1384 صحف.
[50050]:زيادة من القرطبي على نص الكسائي. وانظر اللسان صحف (1405) والقرطبي 16/113 بتصحيح لفظ مئكلة وليس مكيلة.
[50051]:وهي رواية أبي الحارث عنه انظر مختصر ابن خالويه 137.
[50052]:قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 4/419 والمعاني 3/37.
[50053]:نقله السمين في الدر المصون 4/799.
[50054]:هو رأي أبي عبيدة في مجاز القرآن 2/206.
[50055]:نقله القرطبي في تفسيره 16/114.
[50056]:نقله تلميذه ابن الجوزي، زاد المسير 7/328.
[50057]:من بحر السريع وورد في الفراء: يسقى ورواية اللسان يسعى، وصفق وأصفق من الأضداد بمعنى الغلق والفتح والمراد في البيت الفتح. وانظر القرطبي 16/114 ومعاني الفراء 3/37 ومجاز القرآن 3/206 واللسان صفق 2465 وكوب 3951 والدر المصون 4/800.
[50058]:السبعة 588.
[50059]:قاله أبو زكريا الفراء في معاني القرآن 3/37.
[50060]:محمد بن عبد السلام العربي ابن يوسف فقيه مقرئ، عارف بالعربية، شرح لامية الأفعال لابن مالك مات سنة 1214 هـ، الأعلام 7/77 و10/206.
[50061]:هي قصيدة الشاطبية وتسمى حرز الأماني للإمام أبي القاسم بن فيرة بن خلف الرعيني الأندلسي الشافعي الضرير وانظر لطائف الإشارات 1/89.
[50062]:انظر الدر المصون 4/800 واللآلئ الفريدة في شرح القصيدة: 373.
[50063]:معاني القرآن للفراء 3/37.
[50064]:بالمعنى من الدر المنثور 7/392 فقد أخرجه ابن أبي شيبة وابن مردويه عن بريدة وانظر القرطبي 16/114.