تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

الآية 71 وقوله تعالى : { يُطاف عليهم بصِحاف من ذهب وأكواب } يحتمل ذكر الصحاف من الذهب والأكواب وجوها :

أحدها : ذكر ذلك لهم في الآخرة ترغيبا لهم فيها وتحريضا لما يرغبون بمثل ذلك إلى السعي للآخرة ، والله أعلم .

والثاني : يحتمل أن ما ذكر ذلك لأن أهل الدنيا كانوا يتفاخرون بهذه الأشياء في الدنيا ، فيُخبِر أن لأوليائه ذلك في الآخرة ، وذلك دائم ، وهذا فانٍ ، ولا عبرة للفاني ، فما معنى الافتخار به ؟

[ والثالث ]{[3]} : يحتمل أنه ذكر ذلك لأنه حرّم عليهم الانتفاع في الدنيا باستعمال الذهب والفضة والحرير ، فأخبر أن لهم الانتفاع بذلك في الآخرة التي هي دار التنعُّم .

فأما ما سوى ذلك من العُرُش والأواني فإنه لا بأس بذلك ، وهو مباح في الدارين جميعا .

وأما ذكر الأكواب [ فيحتمل وجهين أيضا :

أحدهما : الترغيب ]{[4]} على ما ذكرنا لأنهم يتمنّون ، ويرغبون فيها في الدنيا .

والثاني : يُخبر أن لا مُؤنة عليهم في حمل الأواني ورفعها عند الشرب والأكل ، ولا يتولّون ذلك بأنفسهم . لكن الخدم هم الذين يتولّون سقيهم .

الصّحاف : جمع الصّحفة ، وهي القصعة التي ليست بضخمة ، والأكواب : الأباريق التي لا عُرا لها ، ولا خراطيم ، واحدها كوب ، ويقال : كيزان ، ولا عُرا لها . قاله أبو عوسجة والقتبيّ .

وقوله تعالى : { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين } فذلك في الجنة ، ليس كنعيم الدنيا ، لأن في الدنيا قد يشتهي شاربها ، ولا تلذّ به العيون ، والله أعلم .

ويحتمل أنه ذكر ذلك في الآخرة لما مُنعوا ، وحُرموا في الدنيا مما لا يحلّ ، والله أعلم .


[3]:- من ط ع، الواو ساقطة من الأصل.
[4]:- من ط ع، في الأصل: الشكر.