الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

قوله : { يُطَافُ } : قبلَه محذوفٌ أي : يَدْخُلونُ يُطاف . والصِّحافُ : جمعُ صَحْفَة كجَفْنَة وجِفان . قال الجوهري : " الصَّحْفَةُ كالقَصْعَةِ . وقال الكسائيُّ : أعظمُ القَصاعِ الجَفْنةُ ، ثم القَصْعَةُ تُشْبِع العَشَرة ، ثم الصَّحْفَةُ تُشْبِعُ الخمسةَ ، ثم المِئْكَلَة تُشْبِعُ/ الرجلين والثلاثة " . والصَّحيفة : الكتابُ ، والجمعُ : صُحُف وصَحَائف . وأمال الكسائيُّ في روايةٍ " بِصحاف " . والأَكْواب جمعٌ . فقيل : هو كالإِبْريق إلاَّ أنه لا عُرْوَةَ له . وقيل : إلاَّ أنه لا خُرْطومَ له . وقيل : إلاَّ أنه لا عُرْوَةَ له ولا خُرْطومَ معاً . قال الجواليقي : " ليتمكَّنَ الشاربُ مِنْ أين شاءَ ، فإنَّ العُرْوَةَ تمنعُ من ذلك " .

وقال عَدِيّ :

4007 مُتَّكِئاً تَصْفِقُ أبْوابُه *** يَسْعَى عليه العبدُ بالكُوبِ

والتقدير : وأكواب مِنْ ذَهَب أو لم يُرِدْ تَقْييدَها .

قوله : { مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ } قرأ نافعٌ وابن عامرٍ وحفصٍ " تَشْتهيه " بإثباتِ العائدِ على الموصول كقوله : { الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ } [ البقرة : 275 ] والباقون بحَذْفِه كقوله : { أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً } [ الفرقان : 41 ] وهذه القراءةُ شبيهةٌ بقوله : { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } [ يس : 35 ] وتقدَّم ذلك في يس ، وهذه الهاءُ في هذه السورةِ رُسِمَتْ في مصاحفِ المدينة والشام ، وحُذِفَتْ مِنْ غيرِها . وقد وقع لأبي عبد الله الفاسيِّ شارحِ القصيدِ وَهَمٌ فسَبَقَ قلمُه فكتب : " والهاءُ منه محذوفةٌ في مصاحفِ المدينةِ والشامِ ثابتةٌ في غيرِهما " . أراد أن يكتبَ " ثابتةٌ في مصاحف المدينة والشام محذوفةٌ من غيرِهما " فعكَسَ . وفي مصحفِ عبد الله { تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ } بالهاء فيهما .