{ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى } أقل من ، { ثلثي الليل ونصفه وثلثه } قرأ أهل مكة والكوفة : { نصفه وثلثه } بنصب " الفاء " و " الثاء " وإشباع الهاءين ضماً ، أي : وتقوم نصفه وثلثه وقرأ الآخرون بجر الفاء والثاء وإشباع الهاءين كسراً ، عطفاً على ثلثي ، { وطائفة من الذين معك } يعني المؤمنين وكانوا يقومون معه ، { والله يقدر الليل والنهار } قال عطاء : يريد لا يفوته علم ما تفعلون ، إي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم القدر الذي تقومون من الليل ، { علم أن لن تحصوه } قال الحسن : قاموا حتى انتفخت أقدامهم ، فنزل : { علم أن لن تحصوه } لن تطيقوه . وقال مقاتل : كان الرجل يصلي الليل كله ، مخافة أن لا يصيب ما أمر به من القيام ، فقال : { علم أن لن تحصوه } لن تطيقوا معرفة ذلك . { فتاب عليكم } فعاد عليكم بالعفو والتخفيف ، { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } يعني في الصلاة ، قال الحسن : يعني في صلاة المغرب والعشاء . قال قيس بن حازم : صليت خلف ابن عباس بالبصرة فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية من البقرة ، ثم قام في الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة ، ثم ركع ، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال : إن الله عز وجل يقول : فاقرؤوا ما تيسر منه .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني حميد بن مخراق ، عن أنس بن مالك " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قرأ خمسين آية في يوم أو في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية لم يحاججه القرآن يوم القيامة ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الأجر " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني القاسم بن زكريا بن عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن يحيى ، عن محمد عبد الرحمن مولى ابن زهرة ، عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال : " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ القرآن في كل شهر ، قال قلت : إني أجد قوة ، قال : فاقرأه في كل عشرين ليلة ، قال قلت : إني أجد قوة ، قال : فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك " . قوله عز وجل : { علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } يعني المسافرين للتجارة يطلبون من رزق الله ، { وآخرون يقاتلون في سبيل الله } لا يطيقون قيام الليل . روى إبراهيم عن ابن مسعود قال : أيما رجل جلب شيئا ماً إلى المدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء ، ثم قرأ عبد الله : { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه } أي ما تيسر عليكم من القرآن . قال أهل التفسير كان هذا في صدر الإسلام ثم نسخ بالصلوات الخمس ، وذلك قوله : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً } قال ابن عباس : يريد ما سوى الزكاة من صلة الرحم ، وقرى الضيف . { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً } تجدوا ثوابه في الآخرة أفضل مما أعطيتم ، { وأعظم أجراً } من الذي أخرتم ، ولم تقدموه ، ونصب خير وأعظم على المفعول الثاني ، فإن الوجود إذا كان بمعنى الرؤية يتعدى إلى مفعولين ، وهو فصل في قول البصريين ، وعماد في قول الكوفيين ، لا محل له في الإعراب .
أخبرنا أبو القاسم يحيى بن علي الكشمهيني ، أنبأنا أبو نصر أحمد بن علي البخاري بالكوفة ، أنبأنا أبو القاسم نصر بن أحمد الفقيه بالموصل ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد قال : قال عبد الله : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه ؟ قالوا : يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه . قال : اعلموا ما تقولون قالوا ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله ، قال : ما منكم رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله ، قالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر " . { واستغفروا الله } لذنوبكم ، { إن الله غفور رحيم } .
{ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ) هذه الآية نزلت ناسخة لما أمر به في أول السورة من قيام الليل ومعناها : أن الله يعلم أنك ومن معك من المسلمين تقومون قياما مختلفا مرة يكثر ومرة يقل ، لأنكم لا تقدرون على إحصاء أوقات الليل وضبطها فإنه لا يقدر على ذلك إلا الله فخفف عنكم وأمركم أن تقرؤوا ما تيسر من القرآن .
{ ونصفه وثلثه } من قرأها بالخفض فهو عطف على ثلثي الليل أي : تقوم أقل من ثلثي الليل وأقل من نصفه وثلثه ومن قرأ بالنصب فهو عطف على أدنى أي : تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفه تارة وثلثه تارة .
{ وطائفة } يعني : المسلمين وهو معطوف على الضمير الفاعل في تقوم .
{ علم أن لن تحصوه } الضمير يعود على ما يفهم من سياق الكلام أي : لن تحصوا تقدير الليل ، وقيل : معناه لن تطيقوه أي : لن تطيقوا قيام الليل كله .
{ فتاب عليكم } عبارة عن التخفيف كقوله فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم .
{ فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } أي : إذا لم تقدروا على قيام الليل كله فقوموا بعضه واقرؤوا في صلاتكم بالليل ما تيسر من القرآن ، وهذا الأمر للندب ، وقال ابن عطية : هو للإباحة عند الجمهور وقال قوم : منهم الحسن وابن سيرين هو فرض لا بد منه ولو أقل ما يمكن حتى قال بعضهم : من صلى الوتر فقد امتثل هذا الأمر ، وقيل : كان فرضا ثم نسخ بالصلوات الخمس ، وقال بعضهم : هو فرض على أهل القرآن دون غيرهم .
{ علم أن سيكون منكم مرضى } ذكر الله في هذه الآية الأعذار التي تكون لبني آدم تمنعهم من قيام الليل فمنها المرض ومنها السفر للتجارة وهي الضرب في الأرض لابتغاء فضل الله ومنها الجهاد ثم كرر الأمر بقراءة ما تيسر تأكيدا للأمر به أو تأكيدا للتخفيف وهذا أظهر لأنه ذكره بأثر الأعذار .
{ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } يعني : المكتوبتين .
{ وأقرضوا الله } معناه : تصدقوا ، وقد ذكر في البقرة .
{ هو خيرا } نصب خيرا لأنه مفعول ثان لتجدوه والضمير فصل .
{ واستغفروا الله } قال بعض العلماء : " إن الاستغفار بعد الصلاة مستنبط من هذه الآية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته استغفر ثلاثا " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.