غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (20)

1

قال المفسرون : إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه شمروا بعد نزول أوائل السورة عن ساق الجد في شأن قيام الليل ، وتركوا الرقاد حتى انتفخت أقدامهم واصفرت ألوانهم فلا جرم رحمهم ربهم وخفف عنهم قائلاً { إن ربك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل } أقل منهما . قال أهل المعاني والبيان : إنما استعير الأدنى للأقل لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز { و } تقوم { نصفه وثلثه } وهذا مطابق لما مر أو لأن التخيير بين النصف والناقص منه إلى الثلث وبين الزائد على النصف إلى الثلثين . ومن قرأ بالجر فمعناه يقوم أقل من الثلثين وهو النصف ، وأقل من النصف وهو ثلثه ، وأقل من الثلث وهو الربع وهو مطابق للوجه الآخر . و قوله { وطائفة } عطف على المستتر في { يقوم } وجاز من غير تأكيد للفصل { والله يقدر الليل والنهار } فلا يعرف ما مضى من كل منهما أي آن يفرض إلا هو . وهذا الحصر ينبئ عنه بناء الكلام على الاسم دون الفعل . ثم أكد المعنى المذكور بقوله { علم أن لن تحصوه } أي لا يصح منكم ضبط أوقات الليل كما هي إلا أن تأخذوا بالأوسع الأحوط وذلك شاق عليكم { فتاب عليكم } ما فرط منكم في مساهلة حصر الأوقات ورفع تبعته عنكم { فاقرؤا ما تيسر من القرآن } الأكثرون على أن القراءة هاهنا عبارة عن الصلاة كما يعبر عنها بالقيام والركوع والسجود ، والمعنى فصلوا ما تيسر عليكم بالليل فيكون هذا ناسخاً للأول . ثم إنهما نسخاً جميعاً بالصلوات الخمس ، أو نسخ هذا وحده بهن . وعن بعضهم أنها القراءة حقيقة . وروي " من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن ومن قرأ مائة آية أو خمسين كتب من القانتين " ثم بيّن الحكمة في النسخ فقال { علم } وهو استئناف على تقدير السؤال عن وجه النسخ . و " أن " في قوله { أن سيكون } مخففة من الثقيلة اسمها الشأن و " كان " تامة أي سيوجد { منكم مرضى } هي جمع مريض { وآخرون } عطف عليه في الموضعين سوى الله سبحانه بين المسافرين للكسب الحلال والمجاهدين في سبيله فما أنصف من جانبه من العلماء مستنكفاً عنه إلى طلب ما لم يجوز أخذ الأجرة عليه كالإمامة والقضاء والتدريس يرى أنه منصب من المناصب الدينية فيضع دينه للذة خيالية لا اعتداد بها عند العقلاء . عن عبد الله بن عمر : ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إليّ من أن أموت بين شعبتي رحل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله ، وعن عبد الله ابن مسعود مرفوع ظناً . أيما رجل جلب شيئاًً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء . وظاهر أن المرضى لا يمكنهم الاشتغال بالتجهد لمرضهم . وأما المسافرون والمجاهدون فمشتغلون في النهار بالأعمال الشاقة ، فلو اشتغلوا بالعبادة في الليل لتوالت أسباب المشقة عليهم قوله { فاقرؤا ما تيسر منه } من إعادة الأوّل تأكيداً للرخصة ، عن ابن عباس : سقط عن أصحاب النبي قيام الليل وصار تطوعاً وبقي ذلك فرضاً على النبي صلى الله عليه وسلم . ثم أمر بإقامة الصلوات الخمس وإيتاء الزكاة وهذا أيضاً مما يغلب على الظن أن الآية مدنية . وقيل : هي زكاة الفطر . ثم أشار إلى صدقة التطوع بقوله { وأقرضوا الله } ويحتمل أني عود هذا أيضاً إلى الزكاة أي أقرضوا الله بإيتاء الزكاة ، وفيه أن إخراج الزكاة ينبغي أن يكون على أحسن وجه من مراعاة النية الخالصة والصرف إلى المستحقين وكونها من أطيب الأموال لا أقل من الوسط . ثم حث على الإنفاق مطلقاً بقوله { وما تقدموا } الآية وقوله { هو } صيغة الفصل . وقوله { خيراً } ثاني مفعولي { تجدوه } ثم حرض على الاستغفار في جميع الأحوال وإن كان طاعات لما عسى أن يقع فيها تفريط وإليه المرجع والمآب .

/خ20