صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{۞إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (20)

{ إن ربك يعلم } شروع في بيان الناسخ للقيام المأمور به في أول السورة وحكمة نسخه . { أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل } أي زمنا أقل منهما بيسير . أفعل تفضيل ؛ من دنا : إذا قرب . واستعمل في القلة مجازا للزومها للقرب ؛ لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز .

{ ونصفه وثلثه أي وتقوم نصفه وتقوم ثلثه ؛ فهو عطف على " أدنى " . وقرئ بالجر عطفا على " ثلثي " أي أقل من نصفه وأقل من ثلثه{ وطائفة من الذين معك } أي وتقوم معك طائفة من أصحابك . والباقون يقومون في منازلهم . { والله يقدر الليل والنهار } فلا يعلم ساعاتهما كما هي إلا هو سبحانه . { علم أن لن تحصوه } تأكيد لما قبله ؛ أي علم أن لن تستطيعوا ضبط الساعات التي يستغرقها القيام المأمور به . إلا أن تأخذوا بالأوسع والأحوط ؛ وذلك شاق عليكم . { فتاب عليكم } أي بالترخيص لكم في ترك القيام المقدر بتلك المقادير الثلاثة ، ورفع التبعة عنكم في تركه . { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل دون تقدير بجزء معين منه . وسميت الصلاة قرآنا كما في قوله تعالى : " وقرآن الفجر " {[370]}أي صلاته ؛ تسمية لها باسم ركنها ، كما سميت قياما وركوعا وسجودا . وقدمنا أول السورة ما يتعلق بنسخ هذا الناسخ .

{ علم أن سيكون منكم مرضى . . . } بيان للأسباب الداعية إلى النسخ ، بعد أن امتحنهم الله بالقيام وقاموا به لوجهه تعالى كما أمرهم ؛ بقدر طاقتهم مدة من الزمن ليست بالقصيرة . { وآتوا الزكاة } قيل : هي المفروضة ؛ فتكون الآية مدنية ، ويكون الناسخ قد تأخر نزوله نحو عشر سنين ، وهو بعيد من الرءوف الرحيم . ولذا كان الراجح أم الآية مكية ، والمراد بالزكاة الصدقات التي بها طهرة النفوس . أو الزكاة المفروضة من غير تعيين ؛ فقد قيل : إن الزكاة فرضت بمكة من غير تعيين للأنصباء ، والذي فرض بالمدينة .

والله أعلم .


[370]:آية 78 الإسراء.