الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (20)

- ثم قال : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك . . . ) .

هذا حين فرض الله عليهم قيام الليل بقوله : ( قم الليل إلا قليلا ، نصفه أو انقص منه قليلا {[71224]} ، أو زد عليه ) .

فالمعنى على قراءة من خفض ( ونصفِه وثلثِه ) {[71225]} : إن ربك يا محمد يعلم {[71226]} أنك تقوم للصلاة أحيانا أدنى من ثلثي الليل [ وأحيانا أدنى ] {[71227]} من نصفه وأحيانا أدنى من ثلثه {[71228]} ، فأعلمه أنه [ لا ] {[71229]} علم له {[71230]} بالمقدار وأن الله هو العالم {[71231]} بمقدار الوقت {[71232]} الذي يقوم فيه . ودل على ذلك ( علم أن لن تحصوه ) أي : علم الله أنك لا تعرف مقدار قيامك {[71233]} .

فأما من قرأ بنصب ( نصفه وثلثه ) {[71234]} فمعناه : إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم للصلاة أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفَه وتقوم ثلثَه {[71235]} ، فيكون المعنى أن النبي قد أصاب المقدار في قيامه النصف : ( و ) {[71236]} الثلث ، ويكون قوله ( قم الليل إلا قليلا ) هو أدنى من الثلثين ( نصفه ) هو النصف ا لمذكور هنا ، ( أو انقص منه قليلا ) هو الثلث المذكور هنا ، ( أو زد عليه ) هو أدنى من الثلثين أيضا المذكور هنا . ويكون على هذا التأويل معنى ( أن لن تحصوه ) أي {[71237]} تطيقوه {[71238]} . وعلى القول الأول معناه : [ أن ] لن تعرفوا مقداره .

- وقوله : ( فتاب عليكم . . . )

أي تاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم وضعفتم عنه أي : رجع لكم إلى التخفيف عنكم {[71239]} . هذا كله ناسخ لفرض القيام في أول السورة {[71240]} .

- ثم قال : فاقرءوا ما تيسر من القرآن . . . )

أي : ما خف عليكم مما هو {[71241]} دون الثلث {[71242]} .

- ثم قال : ( علم أن سيكون منكم مرضى . . . )

أي : أنه سيكون منكم مرضى ( فلا يقدرون ) {[71243]} على القيام فخفف عنكم ذلك {[71244]} .

ثم قال/ : ( وءاخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله . . . )

أي : وعلم أنه سيكون منكم مسافرون للتجارة فيَشِق عليهم القيام [ لشغلهم ] {[71245]} مع تعبهم من سفرهم ، وعلم أن سيكون منكم آخرون يجاهدون العدو فيشق عليهم القيام لشغلهم مع عدوهم فخفف عنهم القيام لذلك .

- ثم قال : ( فاقرءوا ما تيسر منه . . . )

أي : من القرآن أي : ما خف عليكم {[71246]} .

قال الحسن بن سيرين : صلاة الليل فرض على كل مسلم لو قدر حلب شاة بقوله ( فاقرءوا ما تيسر منه ) {[71247]} قال الحسن : ولو خمسين آية {[71248]} .

وسأل الحسن عن رجل استظهر القرآن ولا يقوم به فقال : يتوسد {[71249]} القرآن ، لعن الله ذلك {[71250]} .

وقال السدي : ( ما تيسر منه ) : " مائة آية " {[71251]} .

وقال الحسن : ( من قرأ مائة آية في الليل لم يحاجه القرآن ) {[71252]} .

قال {[71253]} كعب {[71254]} : من قرأ مائة في ليلة كتب من القانتين {[71255]} .

وقيل : الآية منسوخة لأنه ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم- {[71256]} أنه لا فرض {[71257]} إلا خمس صلوات ، وعلى ذلك أجمع المسلمون {[71258]} وهو الصواب إن شاء الله .

- ثم قال : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) .

يعني الفرض {[71259]} . من ذلك ، أي : أقيموا ذلك بحدوده وفروضه في أوقاته .

- ثم قال : ( وأقرضوا الله قرضا {[71260]} حسنا {[71261]} )

أي : أنفقوا في سبيله من أموالكم .

قال ابن زيد : القرض هنا : النوافل سوى الزكاة {[71262]} .

- ثم قال : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله . . . )

أي : ما تقدم في الدنيا من صدقة أو نفقة في سبيل الله أو غير ذلك {[71263]} من فعل الخير لطلب {[71264]} ما عند الله تجدوه في [ معادكم ] {[71265]} يجازيكم به الله {[71266]} .

- ثم قال : ( هو خير وأعظم أجرا ) . م : معاديكم .

أي : هو [ خير ] {[71267]} مما عملتم في الدنيا للدنيا ، وأعظم {[71268]} ثوابا عند الله {[71269]} .

- ثم قال : ( استغفروا الله إن الله غفور رحيم ) .

أي : واسألوا الله المغفرة ، إنه ( غفور ) ، أي : ذو غفران لذنوب المؤمنين والستر عليهم ( رحيم ) بهم أن يعذبهم على [ ذنوبهم ] {[71270]} بعد توبتهم منها وغفرانه لهم .


[71224]:- ساقط من أ.
[71225]:- هي قراءة عامة قراء المدينة والبصرة في جامع البيان 29/139، وقراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر في السبعة: 658، والمحرر 16/152.
[71226]:- أ: إن ربك بعلم.
[71227]:- م: أحيانا وأدنى.
[71228]:- الحجة لابن خالويه 355.
[71229]:- ساقط من م.
[71230]:- أ، ث: له عنده.
[71231]:- أ: العلام.
[71232]:- أ: بالمقدار والوقت.
[71233]:- انظر الحجة لأبي زرعة 731-732 والكشف 2/345 وفيه اعتبر مكي كلا القراءتين حسنا إلا أن النصب عنده أقوى.
[71234]:- هي قراءة بعض قراء مكة وعامة قراء الكوفة في جامع البيان 29/140، وقراءة باقي السبعة في السبعة :658.
[71235]:- انظر: جامع البيان 29/140.
[71236]:- ساقط من ث.
[71237]:- أ، ث: أي أ،.
[71238]:- وهو قول ابن قتيبة في الغريب 494.
[71239]:- انظر : جامع البيان 29/140.
[71240]:- انظر: الحديث عن النسخ ي هذه الآية، ص: 275 وما بعدها.
[71241]:- أ: مما دون.
[71242]:- انظر: جامع البيان 29/140.
[71243]:- م، ث: فلا تقدرون.
[71244]:- انظر: جامع البيان 29/140.
[71245]:- ساقط من م.
[71246]:- انظر جامع البيان 29/141.
[71247]:- انظر: المحرر 16/152 والأحكام لابن فارس 3/597 وتفسير القرطبي 19/36.
[71248]:- انظر: جامع البيان 29/141، وتفسير ابن كثير 4/468.
[71249]:- ث: يتوسك. وتوسد القرآن هو " الا يقرأه ولا يحفظه ولا يديم قراءته،وإذا نام لم يكن معه من القرآن شيء "انظر: اللسان (وسد).
[71250]:- انظر: جامع البيان 29/141.
[71251]:- جامع البيان 29/141، والمحرر 16/152، والأحكام لابن فارس 3/597.
[71252]:- نفس المصادر السابقة.
[71253]:- ث: وقال.
[71254]:- ما بين قوسين ساقط من أ.
[71255]:- الذي في جامع البيان: 29/141 عن كعب: :...كتب من العابدين" وفي اللسان (قنت "القانت: العابد والمطيع)".
[71256]:- ث: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[71257]:- أ: أنه قال لا فرض.
[71258]:- أ: المسلمين. وهذا القول ذكره مكي في الناسخ:444 منسوبا إلى الشافعي, وقد قال في الرسالة 115-116:" وجدنا سنة رسول الله تدل على أن واجب من الصلاة إلا الخمس, فصرنا إلى أن الواجب الخمس, وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها منسوخ بها استدلالا بقول الله( فتهجد به نافلة لك )[الإسراء:79].وأنها ناسخة لقيان الليل ونصفه وثلثه وما تيسر". ثم قال:" ولسنا نحب لأحد ترك أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه, مصليا به, وكيف ما أكثرفهو أحب إلينا". ثم أخرج الشافعي حديثا عن الأعرابي الذي سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام, فقال النبي: خمس صلوات في اليوم والليلة, قال هل علي غيرها؟ فقال: لا, إلا أن تطوع". انظر:ه بتمامه في الرسالة:116, وصحيح البخاري, كتاب الإيمان, باب:الزكاة من الإسلام ح: 46. مع شرحه: التح:1/106 وما بعدها, وصحيح مسلم, كتاب الإيمان باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام, مع شرح النووي عليه 1/166 والموطأ175 كتاب قصر الصلاة في السفر باب جامع الترغيب في الصلاة ح:9.
[71259]:- انظر: جامع البيان 29/142.
[71260]:- " القرض والقرض: ما يتجازى به الناس بينهم ويتقاضونه, وجمعه قروض" اللسان( قرض).
[71261]:- يلاحظ أنه لم يفسر الزكاة...
[71262]:- انظر جامع البيان 29/142.
[71263]:- أ: وغير.
[71264]:- ث: طلب.
[71265]:- م: معاديكم.
[71266]:- ت: الله به. وانظر: جامع البيان 28/141.
[71267]:- م, ث: خيرا.
[71268]:- أ: أي أعظم.
[71269]:- انظر: جامع البيان 299/142.
[71270]:- زيادة من أ, ث.