الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (20)

{ أدنى من ثُلُثَىِ الَّيْلِ } أقل منهما ؛ وإنما استعير الأدنى وهو الأقرب للأقل ؛ لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت : قل ما بينهما من الأحياز ؛ وإذا بعدت كثر ذلك . وقرىء «ونصفه وثلثه » بالنصب على أنك تقوم أقل من الثلثين ، وتقوم النصف والثلث : وهو مطابق لما مرّ في أوّل السورة : من التخيير بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقص منه - وهو الثلث - وبين قيام الزائد عليه - وهو الأدنى من الثلثين . وقرىء «ونصفه » ، وثلثه : بالجرّ ، أي : تقوم أقل من الثلثين وأقل من النصف والثلث ، وهو مطابق للتخيير بين النصف : وهو أدنى من الثلثين والثلث : وهو أدنى من النصف . والربع : وهو أدنى من الثلث ، وهو الوجه الأخير { وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الذين مَعَكَ } ويقوم ذلك جماعة من أصحابك { والله يُقَدّرُ اليل والنهار } ولا يقدر على تقدير الليل والنهار ومعرفة مقادير ساعاتهما إلا الله وحده ؛ وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنياً عليه «يقدّر » ، هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير ؛ والمعنى : إنكم لا تقدرون عليه ، والضمير في { لَّن تُحْصُوهُ } لمصدر يقدّر ، أي علم أنه لا يصح منكم ضبط الأوقات ولا يتأتى حسابها بالتعديل والتسوية ، إلا أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط : وذلك شاق عليكم بالغ منكم { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } عبارة عن الترخيص في ترك القيام المقدّر . كقوله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فالن باشروهن } [ البقرة : 187 ] والمعنى : أنه رفع التبعة في تركه عنكم ، كما يرفع التبعة عن التائب . وعبر عن الصلاة بالقراءة ؛ لأنها بعض أركانها ، كما عبر عنها بالقيام والركوع والسجود يريد : فصلوا ما تيسر عليكم ، ولم يتعذر من صلاة الليل ؛ وهذا ناسخ للأوّل ، ثم نسخا جميعاً بالصلوات الخمس . وقيل : هي قراءة القرآن بعينها ؛ قيل : يقرأ مائة آية ومن قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن ، وقيل : من قرأ مائة آية كتب من القانتين . وقيل : خمسين آية . وقد بين الحكمة في النسخ . وهي تعذر القيام على المرضى ، والضاربين في الأرض للتجارة ، والمجاهدين في سبيل الله . وقيل : سوّى الله بين المجاهدين والمسافرين لكسب الحلال . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أيما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً ، فباعه بسعر يومه : كان عند الله من الشهداء . وعن عبد الله بن عمر : ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إليّ من أن أموت بين شعبتي رجل : أضرب في الأرض أبتغى من فضل الله . و { عَلِمَ } استئناف على تقدير السؤال عن وجه النسخ { وَأَقِيمُواْ الصلاة } يعني المفروضة والزكاة الواجبة وقيل : زكاة الفطر ؛ لأنه لم يكن بمكة زكاة . وإنما وجبت بعد ذلك . ومن فسرها بالزكاة الواجبة جعل آخر السورة مدنيا { وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً } يجوز أن يريد : سائر الصدقات وأن يريد : أداء الزكاة على أحسن وجه : من إخراج أطيب المال وأعوده على الفقراء ، ومراعاة النية وابتغاء وجه الله ، والصرف إلى المستحق ، وأن يريد : كل شيء يفعل من الخير مما يتعلق بالنفس والمال { خَيْرًا } ثاني مفعولي وجد .

وهو فصل . وجاز وإن لم يقع بين معرفتين . لأنّ أفعل من أشبه في امتناعه من حرف التعريف المعرفة . وقرأ أبو السمال «هو خير وأعظم أجراً » بالرفع على الابتداء والخبر .

ختام السورة:

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة المزمّل دفع الله عنه العسر في الدنيا والآخرة " .