بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (20)

ثم قال عز وجل : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَي الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } قرأ حمزة والكسائي وابن كثير وعاصم ونصفه وثلثه كلاهما بالنصب والباقون بالكسر فمن قرأ بالنصب فهو على تفسير الأدنى كما قال : أدنى من ثلثي الليل وكان نصفه وثلثه تفسير لذلك الأدنى ومن قرأ بالكسر فمعناه : أدنى من نصفه وثلثه وقال الحسن لما نزل قوله { قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً } فكان قيام الليل فريضة فقام بها المؤمنون حولاً فأجهدهم ذلك وما كلهم قام بها فأنزل الله تعالى رخصة { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى } إلى قوله : { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } فصار تطوعاً ولا بد من قيام الليل . فذلك قوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَي الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } { وَطَائِفَةٌ مّنَ الذين مَعَكَ } يعني : وجماعة من المؤمنين معك تقومون نصف الليل وثلثه { والله يُقَدّرُ الليل والنهار } يعني : يعلم ساعات الليل والنهار { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } يعني : أن لن تطيعوه ولم تقدروا أن تحفظوا ما فرض الله عليكم على الدوام ويقال : معناه : لن تطيقوا حفظ ساعات الليل { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } يعني : تجاوز عنكم ورفع عنكم وجوب القيام { فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن } في صلاة الليل ويقال : { فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن } في جميع الصلوات { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى } علم الله تعالى أن منكم مرضى لا يقدرون على قيام الليل { وآخرون يضربون في الأرض } يعني : يسافرون في الأرض { يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله } يعني : في طلب المعيشة يطلبون الرزق من الله تعالى { وآخرون يقاتلون في سبيل الله } وفي الآية دليل أن الكسب الحلال بمنزلة الجهاد لأنه جمع مع الجهاد في سبيل الله ، وروى إبراهيم عن علقمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ جَالِبٍ يَجْلِبُ طَعَامَاً مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ إلاَّ كَانَتْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ الله تَعَالَى مَنْزِلَةَ الشَّهِيدِ » ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وآخرون يضربون في الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله } . ثم قال : { فاقرأوا ما تيسر منه } يعني : من القرآن { وأقيموا الصلاة } يعني : الصلوات الخمس { وآتوا الزكاة } يعني : الزكاة المفروضة { وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً } يعني : تصدقوا من أموالكم بنية خالصة من المال الحلال { وَمَا تُقَدّمُواْ لأنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ } يعني : ما تعملون من عمل من الأعمال الصالحة يعني : تتصدقون بنية خالصة { تَجِدُوهُ عِندَ الله } يعني : تجدوا ثوابه في الآخرة . { هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } يعني : الصدقة خير من الإمساك وأعظم ثواباً من معاملتكم وتجارتكم في الدنيا ، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه اتخذ له حيساً يعني : تمراً بلبن فجاءه مسكين فأخذه ، ودفعه إليه فقال بعضهم : ما يدري هذا المسكين ما هذا فقال عمر : لكن رب المسكين يدري ما هو فكأنه تأول قوله تعالى : { وَمَا تُقَدّمُواْ لأنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } ثم قال عز وجل : { واستغفروا الله } يعني : اطلبوا المغفرة لذنوبكم بالرجوع إلى الله تعالى { إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يعني : لمن تاب رحيماً بعد التوبة والله أعلم بالصواب .