معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (83)

77

قوله تعالى : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت } أي ملك { كل شيء وإليه ترجعون } .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا أبو الطاهر الزيادي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا عن علي بن الحسين الدار ابجردي ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، وليس بالنهدي عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرؤوا على موتاكم سورة يس " ورواه محمد بن العلاء عن ابن المبارك ، وقال : عن أبي عثمان وليس بالنهدي عن أبيه عن معقل بن يسار .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (83)

وقوله : { فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم ، الذي بيده مقاليد السموات والأرض ، وإليه يرجع الأمر كله ، وله الخلق والأمر ، وإليه ترجع العباد يوم القيامة ، فيجازي كل عامل بعمله ، وهو العادل المتفضل .

ومعنى قوله : { فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } كقوله عز وجل : { قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ المؤمنون : 88 ] ، {[24894]} وكقوله تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } [ الملك : 1 ] ، فالملك والملكوت واحد في المعنى ، كرحمة ورَحَمُوت ، ورَهْبَة ورَهَبُوت ، وجَبْر وجَبَرُوت . ومن الناس من زعم أن المُلْك هو عالم الأجساد{[24895]} والملكوت هو عالم الأرواح ، والأول هو الصحيح ، وهو الذي عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم .

قال{[24896]} الإمام أحمد : حدثنا حماد ، عن عبد الملك بن عمير ، حدثني ابن عم لحذيفة ، عن حذيفة - وهو ابن اليمان - رضي الله عنه ، قال : قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقرأ السبع الطُّوَل{[24897]} في سبع ركعات ، وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال : «سمع الله لمن حمده » . ثم قال : «الحمد لذي{[24898]} ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة » وكان ركوعه مثل قيامه ، وسجوده مثل ركوعه ، فأنصرف وقد كادت تنكسر رجلاي . {[24899]}

وقد روى أبو داود ، والترمذي في الشمائل ، والنسائي ، من حديث شعبة ، عن عمرو بن مُرة ، عن أبي حَمْزة - مولى الأنصار - عن رجل من بني عَبْس ، عن حذيفة ؛ أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ، وكان يقول : «الله أكبر - ثلاثًا - ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة » . ثم استفتح فقرأ البقرة ، ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه ، وكان يقول في ركوعه : «سبحان ربي العظيم » . ثم رفع رأسه من الركوع ، فكان قيامه نحوا من ] ركوعه ، يقول : «لربي الحمد » . ثم سجد ، فكان سجوده نحوا من ]{[24900]} قيامه ، وكان يقول في سجوده : " سبحان ربي الأعلى " . ثم رفع رأسه من السجود ، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده ، وكان يقول : " رب ، اغفر لي ، رب اغفر لي " . فصلى أربع ركعات ، فقرأ فيهن البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة - أو الأنعام{[24901]} - - شك شعبة - هذا لفظ أبي داود . {[24902]}

وقال النسائي : " أبو حمزة عندنا : طلحة بن يزيد ، وهذا الرجل يشبه أن يكون صلة " . كذا قال . والأشبه أن يكون ابن عم حذيفة ، كما تقدم في رواية الإمام أحمد ، [ والله أعلم ] . {[24903]} فأما رواية صلة بن زفر ، عن حذيفة ، فإنها في صحيح مسلم ، ولكن ليس فيها ذكر الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة .

وقال{[24904]} أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح ، عن عمرو بن قيس ، عن عاصم بن حُمَيْد ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة ، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوّذ . قال : ثم ركع بقدر قيامه ، يقول في ركوعه : " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " . ثم سجد بقدر قيامه ، ثم قال في سجوده مثل ذلك ، ثم قام فقرأ بآل عمران ، ثم قرأ سورة سورة .

ورواه الترمذي في الشمائل ، والنسائي ، من حديث معاوية بن صالح ، به . {[24905]}

[ آخر تفسير سورة " يس " ولله الحمد أولا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا ]{[24906]}


[24894]:- في ت : "قل من بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون" وهو خطأ.
[24895]:- في ت، س : "الأجسام".
[24896]:- في ت : "وروى".
[24897]:- في ت : "الطوال".
[24898]:- في ت، س : "لله".
[24899]:- المسند (5/388).
[24900]:- زيادة من ت، وأبي داود.
[24901]:- في ت : "والأنعام".
[24902]:- سنن أبي داود برقم (874) والشمائل للترمذي برقم (260) وسنن النسائي (2/199).
[24903]:- زيادة من س.
[24904]:- في ت : "وروى".
[24905]:- سنن أبي داود برقم (873) والشمائل للترمذي برقم (296) وسنن النسائي (2/191).
[24906]:- زيادة من س.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (83)

الفاء فصيحة ، أي إذا ظهر كل ما سمعتم من الدلائل على عظيم قدرة الله وتفرده بالإِلهية وأنه يعيدكم بعد الموت فينشأ تنزيهه عن أقوالهم في شأنه المفضية إلى نقص عظمته لأن بيده الملك الأتم لكل موجود .

والملكوت : مبالغة في الملك ( بكسر الميم ) فإن مادة فعلوت وردت بقلة في اللغة العربية . من ذلك قولهم : رَهبوت ورحَموت ، ومن أقوالهم الشبيهة بالأمثال « رَهبوت خير من رحموت » أي لأن يرهبَك الناسُ خير من أن يرحموك ، أي لأن تكونَ عزيزاً يُخشى بأسك خير من أن تكون هيّناً يَرقّ لك الناس ، وتقدم عند قوله تعالى : { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } في سورة الأنعام } ( 75 ) .

وجملة { وإليهِ تُرجعُونَ } عطف على جملة التسبيح عطفَ الخبر على الإِنشاء فهو مما شملته الفصيحة . والمعنى : قد اتضح أنكم صائرون إليه غير خارجين من قبضة ملكه وذلك بإعادة خلقكم بعد الموت .

وتقديم { إليه } على { تُرْجَعُونَ } للاهتمام ورعاية الفاصلة لأنهم لم يكونوا يزعمون أن ثمة رجعة إلى غيره ولكنهم ينكرون المعاد من أصله .