قوله تعالى : { فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون }
لما تقررت الوحدانية والإعادة وأنكروها وقالوا : بأن غير الله آلهة ، قال تعالى وتنزه عن الشريك : { الذي بيده ملكوت كل شيء } وكل شيء ملكه فكيف يكون المملوك للمالك شريكا ، وقالوا : بأن الإعادة لا تكون ، فقال : { وإليه ترجعون } ردا عليهم في الأمرين ، وقد ذكرنا ما يتعلق بالنحو في قوله : سبحان ، أي سبحوا تسبيح الذي أو سبح من في السموات والأرض تسبيح الذي { فسبحان } علم للتسبيح ، والتسبيح هو التنزيه ، والملكوت مبالغة في الملك كالرحموت والرهبوت ، وهو فعلول أو فعلوت فيه كلام ، ومن قال هو فعلول جعلوه ملحقا به .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس » وقال الغزالي فيه : إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر ، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه ، فجعله قلب القرآن لذلك ، واستحسنه فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى{[23]} سمعته يترحم عليه بسبب هذا الكلام .
ويمكن أن يقال بأن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة بأقوى البراهين فابتداؤها بيان الرسالة بقوله : { إنك لمن المرسلين } [ يس : 3 ] ودليلها ما قدمه عليها بقوله : { والقرءان الحكيم } [ يس : 2 ] وما أخره عنها بقوله : { لتنذر قوما } [ يس : 6 ] وانتهاؤها بيان الوحدانية والحشر بقوله : { فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء } إشارة إلى التوحيد ، وقوله : { وإليه ترجعون } إشارة إلى الحشر ، وليس في هذه السورة إلا هذه الأصول الثلاثة ودلائله وثوابه ، ومن حصل من القرآن هذا القدر فقد حصل نصيب قلبه وهو التصديق الذي بالجنان . وأما وظيفة اللسان التي هي القول ، فكما في قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } وفي قوله تعالى : { ومن أحسن قولا } وقوله تعالى : { بالقول الثابت } { وألزمهم كلمة التقوى } { وإليه يصعد الكلم الطيب } إلى غير هذه مما في غير هذه السورة ووظيفة الأركان وهو العمل ، كما في قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وقوله تعالى : { ولا تقربوا الزنا . . . ولا تقتلوا النفس } وقوله : { واعملوا صالحا } وأيضا مما في غير هذه السورة ، فلما لم يكن فيها إلا أعمال القلب لا غير سماها قلبا ، ولهذا ورد في الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى تلقين يس لمن دنا منه الموت ، وقراءتها عند رأسه ، لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة ، والأعضاء الظاهرة ساقطة البنية ، لكن القلب يكون قد أقبل على الله ورجع عن كل ما سواه ، فيقرأ عند رأسه ما يزاد به قوة قلبه ، ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة وهي شفاء له وأشرار كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلمها إلا الله ورسوله ، وما ذكرناه ظن لانقطع به ، ونرجو الله أن يرحمنا وهو أرحم الراحمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.