معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (18)

قوله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده } ، القاهر الغالب ، وفي القهر زيادة معنى على القدرة وهي منع غيره عن بلوغ المراد ، وقيل : هو المفرد بالتدبير ، يجبر الخلق على مراده ، { فوق عباده } هو صفة الاستعلاء الذي تفرد به الله عز وجل .

قوله تعالى : { وهو الحكيم } ، في أمره .

قوله تعالى : { الخبير } ، بأعمال عباده .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (18)

أي : هو الذي خضعت له الرقاب ، وذلت له الجبابرة ، وعنت له الوجوه ، وقهر كل شيء ودانت له الخلائق ، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته الأشياء ، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره{[10601]}

{ وَهُوَ الْحَكِيمُ } أي : في جميع ما يفعله { الْخَبِيرُ } بمواضع الأشياء ومحالها ، فلا يعطي إلا لمن يستحق ولا يمنع إلا من يستحق .


[10601]:في أ: " حكم قهره".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (18)

هذه الجملة معطوفة على جملة { وإن يمسسك الله بضرّ } [ الأنعام : 17 ] الآية ، والمناسبة بينهما أنّ مضمون كلتيهما يبطل استحقاق الأصنام العبادة . فالآية الأولى أبطلت ذلك بنفي أن يكون للأصنام تصرّف في أحوال المخلوقات ، وهذه الآية أبطلت أن يكون غير الله قاهراً على أحد أو خبيراً أو عالماً بإعطاء كل مخلوق ما يناسبه ، ولا جرم أنّ الإله تجب له القدرة والعلم ، وهما جماع صفات الكمال ، كما تجب له صفات الأفعال من نفع وضرّ وإحياء وإماتة ، وهي تعلّقات للقدرة أطلق عليها اسم الصفات عند غير الأشعري نظراً للعرف ، وأدخلها الأشعري في صفة القدرة لأنّها تعلّقات لها ، وهو التحقيق .

ولذلك تتنزّل هذه الآية من التي قبلها منزلة التعميم بعد التخصيص لأنّ التي قبلها ذكرت كمال تصرّفه في المخلوقات وجاءت به في قالب تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم كما قدّمنا ، وهذه الآية أوعت قدرته على كلّ شيء وعلمه بكلّ شيء ، وذلك أصل جميع الفعل والصنع .

والقاهر الغالب المُكرِه الذي لا ينفلت من قدرته من عُدّي إليه فعل القهر .

وقد أفاد تعريف الجزأين القصر ، أي لا قاهر إلاّ هو ، لأنّ قهر الله تعالى هو القهر الحقيقي الذي لا يجد المقهور منه ملاذاً ، لأنّه قهر بأسباب لا يستطيع أحد خلق ما يدافعها . وممّا يشاهد منها دوماً النوم وكذلك الموتُ . سبحان من قهر العباد بالموت .

و { فوق } ظرف متعلَّق بِ { القاهر } ، وهو استعارة تمثيلية لحالة القاهر بأنَّه كالذي يأخذ المغلوب من أعلاه فلا يجد معالجة ولا حراكاً . وهو تمثيل بديع ومنه قوله تعالى حكاية عن فرعون { وإنّا فوقهم قاهرون } [ الأعراف : 127 ] .

ولا يفهم من ذلك جهة هي في علوّ كما قد يتوهّم ، فلا تعدّ هذه الآية من المتشابهات .

والعباد : هم المخلوقون من العقلاء ، فلا يقال للدوابّ عباد الله ، وهو في الأصل جمع عبد لكن الاستعمال خصّه بالمخلوقات ، وخصّ العبيد بجمع عبد بمعنى المملوك .

ومعنى القهر فوق العباد أنّه خالق ما لا يدخل تحت قُدرهم بحيث يوجدُ ما لا يريدون وجوده كالموت ، ويمنع ما يريدون تحصيله كالولد للعقيم والجهل بكثير من الأشياء ، بحيث إنّ كلّ أحد يجد في نفسه أموراً يستطيع فعلها وأموراً لا يستطيع فعلها وأموراً يفعلها تارة ولا يستطيع فعلها تارة ، كالمشي لمن خَدِرت رجله ؛ فيعلم كلّ أحد أنّ الله هو خالق القُدر والاستطاعات لأنّه قد يمنعها ، ولأنّه يخلق ما يخرج عن مقدور البشر ، ثم يقيس العقل عوالم الغيب على عالم الشهادة . وقد خلق الله العناصر والقوى وسلّط بعضها على بعض فلا يستطيع المدافعة إلاّ ما خوّلها الله .

والحكيم : المحكم المتقن للمصنوعات ، فعيل بمعنى مفعل ، وقد تقدّم في قوله : { فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم } في سورة [ البقرة : 209 ] وفي مواضع كثيرة .

والخبير : مبالغة في اسم الفاعل من ( خَبَر ) المتعدّي ، بمعنى ( علم ) ، يقال : خبر الأمر ، إذا علمه وجرّبه . وقد قيل : إنّه مشتقّ من الخَبر لأنّ الشيء إذا علم أمكن الإخبار به .