قوله تعالى : { ولو جعلناه ملكاً } ، يعني : لو أرسلنا إليهم ملكاً .
قوله تعالى : { لجعلناه رجلاً } ، يعني في صورة رجل آدمي ، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة ، وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي ، وجاء الملكان إلى داود في صورة رجلين .
قوله تعالى : { وللبسنا عليهم ما يلبسون } ، أي : خلطنا عليهم ما يخلطون . وشبهنا عليهم فلا يدرون أملك هو أو آدمي ، وقيل معناه : شبهوا على ضعفائهم ، فشبه عليهم ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هم أهل الكتاب فرقوا دينهم ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، فلبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم . وقرأ الزهري : { للبسنا } بالتشديد على التكرير والتأكيد .
وقوله : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } أي : ولو أنزلنا مع الرسول البَشَرِيّ ملكًا ، أي : لو بعثنا إلى البشر رسولا ملكيًا{[10576]} لكان على هيئة رجل لتُفْهَم{[10577]} مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه ، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر كما يلبسون{[10578]} على أنفسهم في قبول رسالة البشري ، كما قال تعالى : { قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنزلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا } [ الإسراء : 95 ] ، فمن رحمة الله{[10579]} تعالى بخلقه أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلا منهم ، ليدعو بعضهم بعضا ، وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال ، كما قال تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } الآية [ آل عمران : 164 ] .
قال الضحاك ، عن ابن عباس في [ قوله : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا } ]{[10580]} الآية . يقول : لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل ؛ لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } أي : ولخلطنا عليهم ما يخلطون . وقال الوالبي عنه : ولشبهنا عليهم .
{ ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً } فإن أهل التأويل مجمعون أن ذلك لأنهم لم يكونوا يطيقون رؤية الملك في صورته ، فالأولى في قول { لقضي الأمر } أي لماتوا من هول رؤيته ، { ينظرون } معناه يؤخرون ، والنظرة التأخير ، وقوله عز وجل : { ولو جعلناه } الآية المعنى : أنَّا لو جعلناه ملكاً لجعلناه ولا بد في خلق رجل لأنهم لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته ، وقاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد .
قال القاضي أبو محمد : ومما يؤيد هذا المعنى الحديث الوارد عن الرجلين اللذين صعدا على الجبل يوم بدر ليريا ما يكون في حرب النبي عليه السلام للمشركين ، فسمعا حس الملائكة وقائلاً يقول في السماء ، أقدم حيزوم{[4829]} فمات أحدهما لهول ذلك ، فكيف برؤية ملك في خلقته ، ولا يعارض هذا برؤية النبي عليه السلام لجبريل وغيره في صورهم ، لأن النبي عليه السلام أعطي قوة غير هذه كلها{[4830]} صلى الله عليه وسلم ، { وللبسنا } أي لخلطنا عليهم ما يخلطون به على أنفسهم وعلى ضعفتهم ، أي : لفعلنا لهم في ذلك فعلاً ملبساً ُيَطِّرُق لهم{[4831]} إلى أن يلبسوا به ، وذلك لا يحسن ، ويحتمل الكلام مقصداً آخر ، أي «للبسنا » نحن عليهم كما «يلبسون » هم على ضعفتهم فكنا ننهاهم عن التلبيس ونفعله بهم ، ويقال : لبس الرجل الأمر يلبسه لبساً إذا خلطه ، وقرأ ابن محيصن «ولَبّسنا » بفتح اللام وشد الباء ، وذكر بعض الناس في هذه الآية : أنها نزلت في أهل الكتاب ، وسياق الكلام ومعانيه يقتضي أنها في كفار العرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.