غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ} (9)

1

فأجاب الله تعالى عن شبهتهم بقوله { ولو جعلناه } أي الرسول { ملكاً لجعلناه رجلاً } لأن إنزال الملك آية ظاهرة جارية مجرى الإلجاء وإزالة الاختيار وذلك منافٍ لغرض التكليف ، ولأن الجنس إلى الجنس أميل ، ولأن البشر لا يطيق رؤية الملك ، ولأن طاعات الملك كثيرة فيحقرون طاعات البشر ويستعظمون إقدامهم على المعاصي فلا يصبرون معهم ، ولأن إنزال الملك يقوي الشبهة من وجه آخر وذلك أن أيّ معجزة ظهرت عليه قالوا هذا فعلك فعلته باختيارك وقدرتك ، ولو حصل لنا مثل ما حصل لك من القدرة والقوة لفعلنا مثل ما فعلت .

ثم قال { وللبسنا عليهم ما يلبسون } لبست الأمر على القوم ألبسه لبساً إذا شبهته عليهم وجعلته مشكلاً ومنه لبس الثوب لأنه يفيد الستر . والمعنى إذا جعلنا الملك في صورة البشر كان فعلنا نظيراً لفعلهم في التلبيس ، وإنما كان ذلك لبساً لأن الناس يظنونه ملكاً مع أنه ليس بملك ، أو يظنونه بشراً مع أنه ليس ببشر وإنما كان فعلهم لبساً لأنهم يخلطون على أنفسهم ويقولون إن البشر لا يصلح للرسالة فلا ينقطع السؤال أبداً ويبقى الأمر في حيز الاشتباه . وعلى هذا التفسير يكون قوله { ما يلبسون } مفعولاً مطلقاً . ويجوز أن يراد ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ فيكون مفعولاً به يعني أن القوم إذا رأوا الملك في صورة الإنسان اشتبه الأمر عليهم ، وإذ كنا قد فعلنا ذلك كان اللبس منسوباً إلينا .

/خ11