فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ} (9)

{ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } أي لو جعلنا الرسول إليهم أو إلى النبي ملكا يشاهدونه ويخاطبونه لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل ، لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك على صورته التي خلقه الله عليها إلا بعد أن يتجسم بالأجسام الكثيفة المشابهة لأجسام بني آدم ، لأن كل جنس يأنس بجنسه ، فلو جعل الله سبحانه الرسول إلى البشر أو الرسول إلى رسوله ملكا مشاهدا مخاطبا لنفروا منه ولم يأنسوا به ولدخلهم الرعب وحصل معهم من الخوف ما يمنعهم من كلامه ومشاهدته ، هذا أقل حال فلا يتم المصلحة من الإرسال .

ولذلك كانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس كما جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي ، وكما جاء الملكان إلى داود عليه السلام في صورة رجلين ، وكذلك إلى إبراهيم ولوط عليهما السلام .

وعند أن يجعله الله رجلا أي على صورة رجل من بني آدم ليسكنوا إليه ويأنسوا به سيقول الكافرون إنه ليس بملك وإنما هو بشر ، ويعودون إلى مثل ما كانوا عليه .

وفي إيثار { رجلا } على { بشرا } إيذان بأن الجعل بطريق التمثيل لا بطريق قلب الحقيقة وتعيين لما يقع به التمثيل .

{ وللبسنا عليهم ما يلبسون } أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم أو على غيرهم قاله أبو البقاء لأنهم إذا رأوه في صورة إنسان قالوا هذا إنسان وليس بملك ، فإن استدل لهم بأنه ملك كذبوه ، وقال الزجاج : المعنى للبسنا على رؤسائهم كما يلبسون على ضعفائهم ، وكانوا يقولون لهم إنما محمد بشر وليس بينه وبينكم فرق فيلبسون عليهم بهذا ويشككونهم .

فأعلم الله عز وجل أنه لو نزل ملكا في صورة رجل لوجدوا سبيلا إلى اللبس كما يفعلون ، واللبس الخلط يقال لبست عليه الأمر ألبسه لبسا أي خلطته وأصله التستر بالثوب ونحوه وفيه تأكيد لاستحالة جعل النذير ملكا كأنه قيل لو فعلناه لفعلنا ما لا يليق بشأننا من لبس الأمر عليهم .