{ وَلَوْ جعلناه مَلَكاً لجعلناه رَجُلاً } على أن الضميرَ الأول للتقدير المفهومِ من فحوى الكلام بمعونة المقام ، وإنما لم يجعل للملك المذكور قبله بأن يعكس ترتيب المفعولين ويقال : ولو جعلناه نذيراً لجعلناه رجلاً مع فهم المراد منه أيضاً لتحقيق أن مناطَ إبرازِ الجعل الأول في معرِض الفرض والتقدير ، ومدارَ استلزامِه الثانيَ إنما هو مَلَكيةُ النذير ، لا نذيريّة المَلَك ، وذلك لأن الجعل حقُّه أن يكون مفعولُه الأولُ مبتدأ والثاني خبراً ، لكونه بمعنى التصييرِ المنقول من ( صار ) الداخِلِ على المبتدأ والخبر . ولا ريب في أن مصَبّ الفائدة ومدارَ اللزوم بين طَرَفي الشرطية هو محمولُ المقدَّمِ لا موضوعُه ، فحيث كانت امتناعيةً أريد بها بيانُ انتفاءِ الجعْلِ الأول لاستلزامه المحذور الذي هو الجعل الثاني وجب أن يُجعلَ مدارُ الاستلزام في الأول مفعولاً ثانياً لا محالة ، ولذلك جَعَل مُقابِلَه في الجعل الثاني كذلك ، إبانةً لكمال التنافي بينهما الموجبِ لانتفاء الملزوم ، والضمير الثاني للملك لا لما رجع إليه الأول . والمعنى : لو جعلنا النذيرَ الذي اقترحوه ملكاً لمثّلنا ذلك المَلكَ رجلاً لما مر من عدم استطاعةِ الآحاد لمُعاينَةِ الملك على هيكله ، وفي إيثار ( رجلاً ) على ( بشراً ) إيذانٌ بأن الجعلَ بطريق التمثيل لا بطريق قلب الحقيقة ، وتعيينٌ لما يقع به التمثيل ، وقوله تعالى : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم } عطفٌ على جواب لو مبنيّ على الجواب الأول ، وقرئ بحذف لام الجواب اكتفاءً بما في المعطوف عليه ، يقال : لَبَستُ الأمرَ على القوم ألبِسُه إذا شبّهتُه وجعلته مُشكِلاً عليهم ، وأصله الستر بالثوب ، وقرئ الفعلان بالتشديد للمبالغة ، أي ولَخلّطنا عليهم بتمثيله رجلاً { ما يَلْبِسُونَ } على أنفسهم حينئذ بأن يقولوا له : إنما أنت بشرٌ ولست بمَلَك ، ولو استُدل على مَلَكيته بالقرآن المعجزِ الناطقِ بها أو بمعجزاتٍ أُخَرَ غيرِ مُلجئةٍ إلى التصديق لكذّبوه كما كذبوا النبي عليه الصلاة والسلام ، ولو أظهر لهم صورته الأصلية لزم الأمر الأول ، والتعبير عن تمثيله تعالى رجلاً باللَّبْس إما لكونه في صورة اللبس ، أو لكونه سبباً لِلَبْسِهم ، أو لوقوعه في صُحبته بطريق المشاكلة ، وفيه تأكيدٌ لاستحالة جعل النذيرِ مَلَكاً كأنه قيل : لو فعلناه لفعلنا ما لا يليق بشأننا من لَبْس الأمر عليهم ، وقد جُوِّز أن يكونَ المعنى وللبسنا عليهم حينئذ مثلَ ما يلبِسون على أنفسهم الساعةَ في كفرهم بآيات الله البينة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.