تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } قيل : آدميا بشرا . يحتمل هذا [ وجهين : أحدهما ]{[6929]} أنه لو بعثنا الرسول ملكا لجعلناه على صورة البشر . لأنه كان على صورة الملائكة لصعقوا ، ودهشوا لأنه ليس في وسع البشر رؤية الملك على صورته .

ألا ترى أن جبريل عليه السلام إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل على صورته ، ولكن كان ينزل على صورة البشر حتى ذكر أنه كان ينزل إليه على صورة دحية الكلبي ، وأنه متى رآه على صورته صعق{[6930]} ، وتغير حاله . فإذا رأوا ذلك في وجهه قالوا : إنه مجنون ، فقال تعالى : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } ويكون فيه ما في رسول الله من اللبس به .

والثاني : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } لأنهم لا يعرفون صدقه ، فيحتاجون إلى الدلائل والآيات تدلهم على أنه ملك وعلى صدقه . فذلك لا يعرف إلا بالبشر . لأنهم لا يعرفونه ، ولا [ يعرفون ]{[6931]} صدقه .

وقوله تعالى : { وللبسنا عليهم ما يلبسون } الآية قالوا : لا يجوز إضافة اللبس إلى الله إلا على المجازاة للبس كالاستهزاء والمكر والخداع . ويحتمل قوله : { وللبسنا عليهم ما يلبسون } أي لو جعلناه ملكا { وللبسنا عليهم ما } لبس أولئك على ضعفهم حين{[6932]} قالوا : { ما هذا إلا بشر مثلكم } [ المؤمنون : 24و 33 ] وقالوا{[6933]} : { إن أنتم إلا بشر مثلنا } [ إبراهيم : 10 ويس : 15 ] وغير ذلك من الكلام . لكنا لا نفعل حتى لا يكون ذلك لبسا ؛ إذ ليس في وسعهم النظر إلى الملك { ولو جعلناه ملكا } لكان ذلك لبسا .

فإن قال لنا ملحد . في قوله تعالى : { لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر } [ الأنعام : 8 ] سألوا أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك ، وقال : { ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر } وأنتم تقولون : إنه قد أنزل عليه الملك ، وهو أخبر لو أنزل عليه الملك لقضي الأمر ، ولم يقض الأمر . كيف لا بان لكم أنه إنما اخترع ذلك من نفسه ، لا أن الله أنزل عليه{[6934]} ؟

وقيل : إنهم إنما سألوا أن ينزل عليهم الملك ، وإن لم يذكر في الآية السؤال ما ذكر في آية أخرى كقولهم : { لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا } [ الفرقان : 21 ] ، وسألوا أن تأتيهم الملائكة ، ويأتيه ؛ قالوا : كيف يخص بإتيان الملائكة دوننا ؟ وهو كواحد منا كقوله : { لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين } [ الحجر : 7 ] .

وهذا جائز أن يكون أسئلة لم تذكر ، ويكون في الجواب بيان ذلك على ما ذكرنا من قبل في غير موضع .


[6929]:- في الأصل وم: وجوها.
[6930]:- في الأصل وم: أصعق.
[6931]:- ساقطة من الأصل و م.
[6932]:- في الأصل وم: حيث.
[6933]:- في الأصل وم: و.
[6934]:- في الأصل وم: عليك.