اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ} (9)

قوله : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً } يعني : لو أرسلناه إليهم مَلَكاً لجعلناه رَجُلاً يعني في صورة رجلٍ آدمي ؛ لأنهم لا يستطيعون النَّظَرَ إلى الملائكةِ ، كان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دِحْية الكلبي وجاء الملكان إلى دَاوُد عليه السلام في صورةِ رَجُلَيْنِ ، ولأن الجنس إلى الجنس أميلُ وأيضاً فإنَّ طَاعَة الملائكة قَوِيَّةٌ ، فَيَسْتحْقِرُونَ طَاعَاتِ البَشَرِ ، ورُبَّما لا يعذرونهم بالإقدام على المعاصي .

قوله تعالى : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُون } في " ما " قولان :

أحدهما : أنها مَوْصولةٌ بمعنى " الذي " ، أي : ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم ، أو على غيرهم ، قاله أبو البقاء{[13282]} - رحمه الله تعالى - وتكون " ما " حينئذٍ مفعولاً بها .

الثاني : أنَّها مَصْدَريَّةٌ ، أي : ولَلَبْسنا عليهم مَثْلَ ما يلبسون على غيرهم ويسلكونهم ، والمعنى شَبَّهوا على ضعفائهم فشُبِّهَ عليهم .

قال ابن عباس : هُمْ أهْلُ الكتاب ، فَرَّقُوا دينهم وحَرَّفُوا الكَلِمَ عن مَوَاضِعِه ، فَلَبَسَ اللَّهُ عليهم ما يلبسون{[13283]} .

وقرأ ابن{[13284]} مُحَيْصِن : " وَلَبَسْنا " بلام واحدة هي فاء الفِعْلِ ، ولم يأت بلامٍ في الجواب اكْتِفَاءً بها في المَعْطُوف عليه .

وقرأ الزهري{[13285]} : " ولَلَبَّسْنا " بلامين وتشديد الفعل على التَّكْثيرِ .

قال الواحدي{[13286]} : يقال لَبَّسْتُ الأمْرَ على القَوْمِ ألبِّسُهُ إذا شَبَّهْته عليهم ، وجعلته مُشْكلاً ، وأصله من التَّستُّرِ بالثوب ، ومنه لُبْسُ الثوبِ ، لأنه يُفيد سَتْرَ النفسِ ، والمعنى : إذا جَعَلْنَا الملكَ في صورة البَشَرِ ، فهم يظنون أن ذلك المَلَكَ بَشَراً ، فيعود سؤالهم أنَّا لا نرضى برسالة هذا الشَّخْصِ ، واللَّهُ أعلم .


[13282]:ينظر: الإملاء 1/236.
[13283]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (5/153) عن ابن عباس.
[13284]:ينظر: الشواذ 42، البحر المحيط 4/84، الكشاف 2/8، الدر المصون 3/14.
[13285]:ينظر: الكشاف 2/8، البحر المحيط 4/84، الدر المصون 3/14.
[13286]:ينظر: الرازي 12/134.