تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ} (9)

المفردات :

وللبسنا : أي خلطنا .

التفسير :

9- ولو جعلنا ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون . أي لو استجبنا لهم في إنزال ملك لمثلناه رجلا ليقوى على مشاهدته وسماع كلامه لعدم استطاعتهم رؤية الملك على صورته الأصلية .

ومن أجل هذا كانت الملائكة تأتى الرسل على هيأة البشر أحيانا ، وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صورة دحية الكلبى ، وقد رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صورته الأصلية مرتين وذكر ذلك في أول سورة النجم .

ولو جعل الله الملاك بشرا ليأنسوا به لاعتقدوا أنه بشر لأنهم لا يدركون منه صورته وصفاته التي تمثل بها وحينئذ ، يقعون في نفس اللبس والاشتباه .

قال الإمام القرطبي :

قوله تعالى : ولو جعلنه ملكا لجعلناه رجلا . ( لأن كل جنس يأتي بجنسه ، وينفر من غير جنسه فلو جعل الله تعالى الرسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقاربته ، ولما أنسوا به ، ولداخلهم من الرعب من كلامه ، والاتقاء له ، ما يكفهم عن كلامه ، ويمنعهم عن سؤاله فلا تعم المصلحة ، ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به و ليسكنوا إليه لقالوا لست ملكا ، وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك ، وعادوا إلى مثل حالهم ) ( 58 ) .

والخلاصة أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون الرسول بشرا من جنس وقومه وأن يؤيده الله بالمعجزات حتى يمكن الاقتداء به في قوله وفعله وسلوكه .

قال تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم . . . الآية . ( إبراهيم 4 ) .

وقال تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا . ( الأحزاب : 21 ) .