معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

قوله تعالى : { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق } فانظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم ، { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } أي : ثم الله الذي خلقها ينشئها نشأة ثانية بعد الموت ، فكما لم يتعذر عليه إحداثها مبدءاً لا يتعذر عليه إنشاؤها معيداً . قرأ ابن كثير ، وأبو عمر : { النشأة } بفتح الشين ممدودة حيث وقعت ، وقرأ الآخرون بسكون الشين مقصورة نظيرها الرأفة والرآفة . { إن الله على كل شيء قدير* }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

ثم قال تعالى : { قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ } أي : يوم القيامة ، { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } [ فصلت : 53 ] ، وكقوله تعالى : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ } [ الطور : 35 ، 36 ] .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

{ قل سيروا في الأرض } حكاية كلام الله لإبراهيم أو محمد عليهما الصلاة والسلام . { فانظروا كيف بدأ الخلق } على اختلاف الأجناس والأحوال . { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } بعد النشأة الأولى التي هي الإداء ، فإنه والإعادة نشأتان من حيث أن كلا اختراع وإخراج من العدم ، والإفصاح باسم الله مع إيقاعه مبتدأ بعد إضماره في بدأ والقياس الاقتصار عليه للدلالة على أن المقصود بيان الإعادة ، وأن من عرف بالقدرة على الإبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإعادة لأنها أهون والكلام في العطف ما مر ، وقرئ " النشاءة " كالرآفة . { إن الله على كل شيء قدير } لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

اعتراض انتقالي من الإنكار عليهم ترك الاستدلال بما هو بمرأى منهم ، إلى إرشادهم للاستدلال بما هو بعيد عنهم من أحوال إيجاد المخلوقات وتعاقب الأمم وخلف بعضها عن بعض ، فإن تعوُّد الناس بما بين أيديهم يصرف عقولهم عن التأمل فيما وراء ذلك من دلائل دقائقها على ما تدل عليه ، فلذلك أمر الله رسوله أن يدعوهم إلى السير في الأرض ليشاهدوا آثار خلق الله الأشياء من عدم فيوقنوا أن إعادتها بعد زوالها ليس بأعجب من ابتداء صنعها .

وإنما أمر بالسير في الأرض لأن السير يدني إلى الرائي مشاهدات جمّة من مختلف الأرضين بجبالها وأنهارها ومحوِيَّاتها ويمر به على منازل الأمم حاضرها وبائدها فيرى كثيراً من أشياء وأحوال لم يعتد رؤية أمثالها ، فإذا شاهد ذلك جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جَوَلاناً لم يكن يخطر له ببال حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات في ديار قومه ، لأنه لما نشأ فيها من زمن الطفولة فما بعده قبل حدوث التفكير في عقله اعتاد أن يمر ببصره عليها دون استنتاج من دلائلها حتى إذا شاهد أمثالها مما كان غائباً عن بصره جالت في نفسه فكرة الاستدلال ، فالسيرُ في الأرض وسيلة جامعة لمختلف الدلائل فلذلك كان الأمر به لهذا الغرض من جوامع الحكمة . وجيء في جانب بدء الخلق بالفعل الماضي لأن السائر ليس له من قرار في طريقه فندر أن يشهد حدوث بدء مخلوقات ، ولكنه يشهد مخلوقات مبدوءة من قبل فيفطن إلى أن الذي أوجدها إنما أوجدها بعد أن لم تكن وأنه قادر على إيجاد أمثالها فهو بالأحرى قادر على إعادتها بعد عدمها .

والاستدلال بالأفعال التي مضت أمكن لأن للشيء المتقرر تحققاً محسوساً .

وجيء في هذا الاستدلال بفعل النظر لأن إدراك ما خلقه الله حاصل بطريق البصر وهو بفعل النظر أولى وأشهر لينتقل منه إلى إدراك أنه ينشىء النشأة الآخرة .

ولذلك أعقب بجملة { ثم الله ينشىء النشأة الآخرة } فهي جملة مستقلة . ( وثم ) للترتيب الرتبي كما تقدم في قوله { ثم يعيده } [ العنكبوت : 19 ] .

وإظهار اسم الجلالة بعد تقدم ضميره في قوله { كيف بدأ الخلق } وكان مقتضى الظاهر أن يقول : ثم ينشىء . قال في « الكشاف » : لأن الكلام كان واقعاً في الإعادة فلما قررهم في الإبداء بأنه من الله احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء ، فالذي لم يعجزه الإبداء فهو الذي وجب أن لا تُعجزه الإعادة . فكأنه قال : ثم ذاك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشىء النشأة الآخرة فللتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ اه . يريد أن العدول عن الإضمار إلى الإسم الظاهر لتسجيل وقوع هذا الإنشاء الثاني ، فتكون الجملة مستقلة حتى تكون عنوان اعتقاد بمنزلة المثل لأن في اسم الجلالة إحضاراً لجميع الصفات الذاتية التي بها التكوين ، وليفيد وقوع المسند إليه مخبراً عنه بمسند فعلي معنى التقوي .

وجملة { إن الله على كل شيء قدير } تذييل ، أي قدير على البعث وعلى كل شيء إذا أراده . وإظهار اسم الجلالة لتكون جملة التذييل مستقلة بنفسها فتجري مجرى الأمثال .

و { النشأة } بوزن فعلة : المرة من النّشء وهو الإيجاد ، وكذلك قرأها الجمهور ، عبر عنها بصيغة المرة لأنها نشأة دفعية تخالف النّشء الأول ويقال : النّشاءة بمد بعد الشين بوزن الكآبة ومثلها الرأفة والرءافة .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { النشاءة } بالمدّ . ووصفها ب { الآخرة } إيماء بأنها مساوية للنشأة الأولى فلا شبهة لهم في إحالة وقوعها . وأما قوله تعالى { ولقد علمتم النشأة الأولى } [ الواقعة : 62 ] فذلك على سبيل المشاكلة التقديرية لأن قوله قبله { ونُنشئكم فيما لا تعلمون } [ الواقعة : 61 ] يتضمن النشأة الآخرة فعبر عن مقابلتها بالنشأة .