ثم يدعوهم إلى السير في الأرض ، وتتبع صنع الله وآياته في الخلق والإنشاء ، في الجامد والحي سواء ، ليدركوا أن الذي أنشأ يعيد بلا عناء :
( قل : سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ؛ ثم الله ينشىء النشأة الآخرة . إن الله على كل شيء قدير ) . .
والسير في الأرض يفتح العين والقلب على المشاهد الجديدة التي لم تألفها العين ولم يملها القلب . وهي لفتة عميقة إلى حقيقة دقيقة . وإن الإنسان ليعيش في المكان الذي ألفه فلا يكاد ينتبه إلى شيء من مشاهده أو عجائبه ؛ حتى إذا سافر وتنقل وساح استيقظ حسه وقلبه إلى كل مشهد ، وإلى كل مظهر في الأرض الجديدة ، مما كان يمر على مثله أو أروع منه في موطنه دون التفات ولا انتباه . وربما عاد إلى موطنه بحس جديد وروح جديد ليبحث ويتأمل ويعجب بما لم يكن يهتم به قبل سفره وغيبته . وعادت مشاهد موطنه وعجائبها تنطق له بعد ما كان غافلا عن حديثها ؛ أو كانت لا تفصح له بشى ء ولا تناجيه !
فسبحان منزل هذا القرآن ، الخبير بمداخل القلوب وأسرار النفوس .
( قل : سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) . .
إن التعبير هنا بلفظ الماضي ( كيف بدأ الخلق )بعد الأمر بالسير في الأرض لينظروا كيف بدأ الخلق . يثير في النفس خاطرا معينا . . ترى هنالك في الأرض ما يدل على نشأة الحياة الأولى ، وكيفية بدء الخليقة فيها . كالحفريات التي يتتبعها بعض العلماء اليوم ليعرفوا منها خط الحياة ؛ كيف نشأت ? وكيف انتشرت ? وكيف ارتقت ? - وإن كانوا لم يصلوا إلى شيء في معرفة سر الحياة : ما هي ? ، ومن أين جاءت إلى الأرض ? وكيف وجد فيها أول كائن حي ? - ويكون ذلك توجيها من الله للبحث عن نشأة الحياة الأولى والاستدلال به عند معرفتها على النشأة الآخرة . .
ويقوم بجانب هذا الخاطر خاطر آخر . ذلك أن المخاطبين بهذه الآية أول مرة لم يكونوا مؤهلين لمثل هذا البحث العلمي الذي نشأ حديثا ؛ فلم يكونوا بمستطيعين يومئذ أن يصلوا من ورائه إلى الحقيقة المقصودة به - لو كان ذلك هو المقصود - فلا بد أن القرآن كان يطلب منهم أمرا آخر داخلا في مقدورهم ، يحصلون منه على ما ييسر لهم تصور النشأة الآخرة . ويكون المطلوب حينئذ أن ينظروا كيف تبدأ الحياة في النبات والحيوان والإنسان في كل مكان . ويكون السير في الأرض كما أسلفنا لتنبيه الحواس والمشاعر برؤية المشاهد الجديدة ، ودعوتها إلى التأمل والتدبر في آثار قدرة الله على إنشاء الحياة التي تبرز في كل لحظة من لحظات الليل والنهار .
وهناك احتمال أهم يتمشى مع طبيعة هذ القرآن ؛ وهو أنه يوجه توجيهاته التي تناسب حياة الناس في أجيالهم جميعا ، ومستواياتهم جميعا ، وملابسات حياتهم جميعا ، ووسائلهم جميعا . ليأخذ كل منها بما تؤهله له ظروف حياته ومقدراته . ويبقى فيها امتداد يصلح لقيادة الحياة ونموها أبدا . ومن ثم لا يكون هناك تعارض بين الخاطرين .
( إن الله على كل شيء قدير ) . .
يبدأ الحياة ويعيدها بهذه القدرة المطلقة التي لا تتقيد بتصورات البشر القاصرة ، وما يحسبونه قوانين يقيسون عليها الممكن وغير الممكن ، بما يعرفونه من تجاربهم المحدودة !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.