الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

{ فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق ثُمَّ الله يُنشِىء النشأة الآخرة } على البدء دون الإنشاء ، ونحوه قولك : ما زلت أوثر فلاناً وأستخلفه على من أخلفه ،

فإن قلت : هو معطوف بحرف العطف ، فلا بد له من معطوف عليه ، فما هو ؟ قلت : هو جملة قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىءُ الله الخلق } وكذلك : وأستخلفه ، معطوف على جملة قوله : ما زلت أوثر فلاناً ذلك يرجع إلى ما يرجع إليه هو في قوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] من معنى يعيد . دل بقوله { النشأة الآخرة } على أنهما نشأتان ، وأن كل واحدة منهما إنشاء ، أي : ابتداء واختراع ، وإخراج من العدم إلى الوجود ، لا تفاوت بينهما إلا أن الآخر إنشاء بعد إنشاء مثله ، والأولى ليست كذلك . وقرىء «النشأة » و«النشاءة » كالرأفة والرآفة ،

فإن قلت : ما معنى الإفصاح باسمه مع إيقاعه مبتدأ في قوله : { ثُمَّ الله يُنشِىءُ النشأة الآخرة } بعد إضماره في قوله : كيف بدأ الخلق ؟ وكان القياس أن يقال : كيف بدأ الله الخلق ثم ينشىء النشأة الآخرة ؟ قلت : الكلام معهم كان واقعاً في الإعادة ، وفيها كانت تصطك الركب ، فلما قرّرهم في الإبداء بأنه من الله ، احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء ، فإذا كان الله الذي لا يعجزه شيء هو الذي لم يعجزه الإبداء ، فهو الذي وجب أن لا تعجزه الإعادة ، فكأنه قال : ثم ذاك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشىء النشأة الآخرة ، فللدلالة والتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ .