فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

{ أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير19 قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير20 يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون21 وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير22 والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم23 }

أو عميت بصائرهم فلم يتدبروا وينظروا ، فيقروا بأن الله هو المبدئ المعيد ؟ ! كما أنه سبحانه لم يعي بخلق الكون وما فيه ، فلن يعجزه أن يعيد الناس بعد موتهم أحياء ) . . وهو أهون عليه . . ( {[3192]}- وقوله تعالى : { ثم يعيده } عطف على{ أولم يروا } لا على{ يبدئ } ، لأن الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة ، فلو عطف عليه لم يصح ، وكذا إذا كانت علمية لأن المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته ، فلو كان معلوما لهم كان تحصيلا للحاصل-{[3193]}[ وقيل : المعنى : أولم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا ، وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا ، وخلق من الولد ولدا ، وكذلك سائر الحيوان ، أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء فهو القادر على الإعادة{ إن ذلك على الله يسير } لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون . . { فانظروا كيف بدأ الخلق } على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم ، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم ، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم ، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله ]{[3194]}- امضوا في الأرض وسيحوا فيها{ فانظروا كيف بدأ } الله تعالى{ الخلق } أي كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة . . . فإن ترتيب النظر على السير في الأرض يؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها ، وعلى هذا تتغاير الكيفية في الآية السابقة ، والكيفية في هذه الآية ، لما أن الأولى- كما علمت- باعتبار المادة وعدمها ، وهذه باعتبار تغاير الأحوال ، ولعل التعبير في الآية الأولى بالمضارع{ يبدأ } دون الماضي- كما هنا- لاستحضار الصورة الماضية لما أن بدء الخلق من مادة وغيرها أغرب من بدء الخلق على أطوار مختلفة ، على معنى أن خلق الأشياء أغرب من جعلها أطوارا مختلفة . . -{[3195]} ، وربنا على كل شيء من البدء والإعادة وغيرهما تام القدرة ، وبعد النشأة الآخرة وقبلها يعذب ربنا من شاء بعدله ، ويرحم من يشاء بفضله ، وإلى الله مردنا ، ومرجعنا ومصيرنا ، ولن يفلت أحد ولن يفوت ربه فالأرض جميعا قبضته والسماوات مطويات بيمينه ، فأين المفر ؟ ! لا ملجأ من الله إلا إليه ، وما لهم من أحد يمنعهم من بأس الله تعالى ، وما لهم من يتولاهم ، وما لهم من يدفع عنهم أو يحول بينهم وبين ما أعد الله لهم ، والذين جحدوا بدلائل جلال الله- التكوينية منها والتنزيلية- وأنكروا الحشر على الله ولقاءه وحسابه وجزاءه أولئك لا حظ لهم من رحمتي ، وأولئك لهم عذاب موجع أبلغ ما يكون الوجع والألم .


[3192]:سورة الروم. من الآية 27.
[3193]:ما بين العارضتين مما أورد الألوسي.
[3194]:ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن.
[3195]:مما أورد الألوسي.