معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ} (44)

قوله تعالى :{ فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه } يعني القرآن ، { لذكر لك } أي لشرف لك ، { ولقومك } من قريش ، نظيره : { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم } ( الأنبياء-10 ) ، أي شرفكم ، { وسوف تسألون } عن حقه وأداء شكره . روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك ؟ لم يجب بشيء حتى نزلت هذه الآية ، فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا ؟ قال : لقريش .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا عاصم بن محمد بن زيد ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان "

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبانا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " . وقال مجاهد : القوم هم العرب ، فالقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم ، ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب ، حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم . وقيل : ذكر شرف لك بما أعطاك من الحكمة ، ولقومك المؤمنين بما هداهم الله به ، وسوف تسألون عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ} (44)

ثم قال : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } قيل : معناه لشرف{[26058]} لك ولقومك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد . واختاره ابن جرير ، ولم يحك سواه .

وأورد البغوي هاهنا حديث الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكَبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين " . رواه البخاري . {[26059]}

و[ قيل ] {[26060]} معناه : أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم ، فهم أفهم الناس له ، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه ، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخُلَّص من المهاجرين السابقين الأولين ، ومن شابههم وتابعهم .

وقيل : معناه : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } أي : لتذكير لك ولقومك ، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم ، كقوله : { لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ } [ الأنبياء : 10 ] ، وكقوله : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] .

{ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } أي : عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له .


[26058]:- (9) في م: "الشرف".
[26059]:- (10) معالم التنزيل للبغوي (7/215) وصحيح البخاري برقم (3500).
[26060]:- (11) زيادة من ت، م.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ} (44)

وقوله : وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ يقول تعالى ذكره : وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ يقول : وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه ، وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه ، وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه ؟ . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : قوله : وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ يقول : إن القرآن شرف لك .

حدثني عمرو بن مالك ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَإنّهُ لَذَكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال : يقول للرجل : من أنت ؟ فيقول : من العرب ، فيقال : من أيّ العرب ؟ فيقول : من قريش .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وهو هذا القرآن .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال : شرف لك ولقومك ، يعني القرآن .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال : أو لم تكن النبوّة والقرآن الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم ذكرا له ولقومه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ} (44)

وقوله : { وإنه لذكر لك } يحتمل أن يريد وإنه لشرف وحمد في الدنيا . والقوم : على هذا قريش ثم العرب ، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وابن زيد . قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ، فإذا قالوا له : فلمن يكون الأمر بعدك ؟ سكت حتى نزلت هذه الآية ، فكان إذا سئل بعد ذلك ، قال لقريش ، فكانت العرب لا تقبل على ذلك حتى قبلته الأنصار رضي الله عنهم{[10213]} وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان »{[10214]} وروى أبو موسى الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم : «لا يزال الأمر في قريش ما زالوا ، إذ حكوا عدلوا ، وإذا استرحموا رحموا ، وإذا عاهدوا وفوا ، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين »{[10215]} .

وروى معاوية أنه عليه السلام قال : «لا يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدين »{[10216]} . ويحتمل أن يريد وإنه لتذكرة وموعظة ، ف «القوم » على هذا أمة بأجمعها ، وهذا قول الحسن بن أبي الحسن ، وقوله : { وسوف تسئلون } قال ابن عباس وغيره معناه : عن أوامر القرآن ونواهيه : وقال الحسن بن أبي الحسن معناه : عن شكر النعمة فيه ، واللفظ يحتمل هذا كله ويعمه .


[10213]:أخرجه ابن عدي، وابن مردويه، عن علي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهم.
[10214]:أخرجه البخاري في الأحكام والمناقب، ومسلم في الإمارة، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[10215]:أخرجه الإمام أحمد في أكثر من موضع من مسنده، عن بكير بن وهب الجزري قال: قال لي أنس بن مالك: أحدثك حديثا ما أحدثه كل أحد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب البيت ونحن فيه فقال:(الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقا ولكم عليهم حقا مثل ذلك ما إن استرحموا رحموا، وإن عاهدوا وفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)، وفي رواية أخرى أن أنسا قال: "كنا في بيت رجل من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف فأخذ بعضادة الباب"، فليس المقصود إذا بالبيت ما يتبادر إلى الذهن من أنه الكعبة، وبدليل قوله في الحديث: "ونحن فيه".
[10216]:قال ابن كثير في تفسيره:"أورد الترمذي هنا حديث الزهري، عن محمد بن جبير ابن مطعم، عن معاوية رضي الله عنه"، وبعد أن ذكر الحديث قال:" رواه البخاري". ونص الحديث كما رواه البخاري في كتاب الأحكام عن الزهري، قال: كان محمد بن جبير ابن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية-وهو عنده في وفد من قريش- أن عبد الله بن عمرو يُحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ} (44)

ذكر حظ الرّسول صلى الله عليه وسلم من الثناء والتأييد في قوله : { على صراط مستقيم } [ الزخرف : 43 ] المجعول علة للأمر بالثبات عليه ، ثم عُطف عليه تعليل آخر اشتمل على ذكر حظ القرآن من المدح ، والنفع بقوله : { وإنه لذكر } ، وتشريفه به بقوله : { لك } وأتبع بحظ التابعين له ولكتابه من الاهتداء والانتفاع بقوله { ولقومك } . ثم عَرَّض بالمعرضين عنه والمجافين له بقوله : { وسوف تسألون } ، مع التوجيه في معنى كلمة ذِكر من إرادة أن هذا الدّين يكسبه ويكسب قومه حُسن السمعة في الأمم فمن اتبعه نال حظه من ذلك ومن أعرض عنه عدّ في عداد الحمقى كما سيأتي ، مع الإشارة إلى انتفاع المتبعين به في الآخرة ، واستضرار المعرضين عنه فيها ، وتحقيق ذلك بحرف الاستقبال . فهذه الآية اشتملت على عشرة معان ، وبذلك كانت أوفر معانيَ من قول امرىء القيس :

قِفا نبكِ من ذِكرى حبيبٍ ومَنزل

المعدود أبلغ كلام من كلامهم في الإيجاز إذ وقَف ، واستوقف ، وبكى واستبكى . وذكر الحبيب ، والمنزل في مِصراع . وهذه الآية لا تتجاوز مقدار ذلك المِصراع وعِدة معانيها عشرة في حين كانت معاني مصراع امرىء القيس ستة مع ما تزيد به هذه الآية من الخصوصيات ، وهي التأكيد ب ( إنَّ ) واللام والكناية ومحسِّن التوجيه .

والذكر يحتمل أن يكون ذِكرَ العقل ، أي اهتداءه لِما كان غير عالم به ، فشبه بتذكر الشيء المنسيّ وهو ما فَسر به كثير الذكرَ بالتذكير ، أي الموعظة . ويحتمل ذِكر اللّسان ، أي أنه يكسبك وقومك ذكراً ، والذكر بهذا المعنى غالب في الذِكر بخبره .

والمعنى : أن القرآن سبب الذكر لأنه يكسب قومه شرفاً يُذكرون بسببه . وقد روي هذا التفسير عن عليّ وابن عباس في رواية ابن عدي وابن مردويه قال القرطبي : « ونظيره قوله تعالى : { وإنه لذكر لك ولقومك } يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش ، فالقرآن نزل بلسان قريش فاحتاج أهل اللّغات كلها إلى لسانهم كلُّ من آمن بذلك فشرفوا بذلك على سائر أهل اللّغات » . وقال ابن عطية " قال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل فإذا قالوا له : فَلِمنْ يكون الأمر بعدك ؟ سكتَ حتى إذا نزلت هذه الآية فكان إذا سُئل عن ذلك قال : لقريش " . ودرج عليه كلام « الكشاف » .

ففي لفظ { ذِكْر } محسن التوجيه فإذا ضم إليه أن ذكره وقومه بالثناء يستلزم ذم من خالفهم كان فيه تعريض بالمعرضين عنه . وقومه هم قريش لأنهم المقصود بالكلام أو جميع العرب لأنهم شُرفوا بكون الرّسول الأعظم صلى الله عليه وسلم منهم ونزول القرآن بلغتهم ، وقد ظهر ذلك الشرف لهم في سائر الأعصر إلى اليوم ، ولولاه ما كان للعرب من يشعر بهم من الأمم العظيمة الغالبة على الأرض .

وهذا ثناء سابع على القرآن .

والسؤال في قوله : { وسوف تسألون } سؤال تقرير . فسؤال المؤمنين عن مقدار العمل بما كلفوا به ، وسؤال المشركين سؤال توبيخ وتهديد قال تعالى : { ستكتب شهادتهم ويسألون } [ الزخرف : 19 ] وقال تعالى : { ألم يأتكم نذيرٌ } إلى قوله : { فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير } [ الملك : 8 ، 11 ] .