مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ} (44)

ولما بين تأثير التمسك بهذا الدين في منافع الدين بين أيضا تأثيره في منافع الدنيا فقال : { وإنه لذكر لك ولقومك } أي إنه يوجب الشرف العظيم لك ولقومك حيث يقال إن هذا الكتاب العظيم أنزله الله على رجل من قوم هؤلاء ، واعلم أن هذه الآية تدل على أن الإنسان لا بد وأن يكون عظيم الرغبة في الثناء الحسن والذكر الجميل ، ولو لم يكن الذكر الجميل أمرا مرغوبا فيه لما من الله به على محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : { وإنه لذكر لك ولقومك } ولما طلبه إبراهيم عليه السلام حيث قال : { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } ولأن الذكر الجميل قائم مقام الحياة الشريفة ، بل الذكر أفضل من الحياة لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في مسكن ذلك الحي ، أما أثر الذكر الجميل فإنه يحصل في كل مكان وفي كل زمان .

ثم قال تعالى : { وسوف تسئلون } وفيه وجوه ( الأول ) قال الكلبي تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل .

( الثاني ) قال مقاتل المراد أن من كذب به يسأل لم كذبه ، فيسأل سؤال توبيخ ( الثالث ) تسألون هل عملتم بما دل عليه من التكاليف واعلم أن السبب الأقوى في إنكار الكفار لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولبغضهم له أنه كان ينكر عبادة الأصنام ، فبين تعالى أن إنكار عبادة الأصنام ليس من خواص دين محمد صلى الله عليه وسلم ، بل كل الأنبياء والرسل كانوا مطبقين على إنكاره .