البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ} (44)

وإنه ، أي وإن ما أوحينا إليك ، { لذكر لك ولقومك } : أي شرف ، حيث نزل عليهم وبلسانهم ، جعل تبعاً لهم .

والقوم على هذا قريش ثم العرب ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد .

كان عليه السلام يعرض نفسه على القبائل ، فإذا قالوا له : لمن يكون الأمر بعدك ؟ سكت ، حتى نزلت هذه الآية .

فكان إذا سئل عن ذلك قال : «لقريش » ، فكانت العرب لا تقبل حتى قبلته الأنصار .

وقال الحسن : القوم هنا أمّته ، والمعنى : وإنه لتذكرة وموعظة .

قيل : وهذه الآية تدل على أن الإنسان يرغب في الثناء الحسن الجميل ، ولو لم يكن ذلك مرغوباً فيه ، ما امتن به تعالى على رسوله فقال : { وإنه لذكر لك ولقومك } .

وقال إبراهيم عليه السلام : { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } والذكر الجميل قائم مقام الحياة ، بل هو أفضل من الحياة ، لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في الحي ، وأثر الذكر الجميل يحصل في كل مكان ، وفي كل زمان . انتهى .

وقال ابن دريد :

وإنما المراد حديث بعده *** فكن حديثاً حسناً لمن وعا

وقال الآخر :

إنما الدنيا محاسنها *** طيب ما يبقى من الخبر

وذكر أن هلاون ، ملك التتر ، سأل أصحابه : من الملك ؟ فقالوا : أنت الذي دوخت البلاد وملكت الأرض وطاعت لك الملوك .

فقال : لا الملك هذا ، وكان المؤذن إذ ذاك يؤذن ، هذا الذي له أزيد من ستمائة سنة ، قد مات وهو يذكر على المآذن في كل يوم خمس مرات ؟ يريد محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم .

{ وسوف تسألون } ، قال الحسن عن شكر هذه النعمة .

وقال مقاتل : المراد من كذب به يسأل سؤال توبيخ .