معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

ثم عزاهم فقال :{ ولقد فتنا الذين من قبلهم } يعني الأنبياء والمؤمنين ، فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم من قتل ، وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب ، { فليعلمن الله الذين صدقوا } في قولهم آمناً ، { وليعلمن الكاذبين } والله أعلم بهم قبل الاختبار . ومعنى الآية : وليظهرن الله الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلومه ، وقال مقاتل : فليرين الله . وقيل : ليميزن الله كقوله : { ليميز الله الخبيث من الطيب } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

أي : الذين صدقوا في دعواهم الإيمان مِمَّنْ هو كاذب في قوله ودعواه . والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون{[22485]} . وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة ؛ ولهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل : { إِلا لِنَعْلَمَ } [ البقرة : 143 ] : إلا لنرى ؛ وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود ، والعلم أعم من الرؤية ، فإنه [ يتعلق ]{[22486]} بالمعدوم والموجود .


[22485]:- في ف ، أ : "كيف كان يكون".
[22486]:- زيادة من ف ، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنّ الْكَاذِبِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد اختبرنا الذين من قبلهم من الأمم ، ممن أرسلنا إليهم رسلنا ، فقالوا مثل ما قالته أمتك يا محمد بأعدائهم ، وتمكيننا إياهم من أذاهم ، كموسى إذا أرسلناه إلى بني إسرائيل ، فابتليناهم بفرعون وملئهم ، وكعيسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل ، فابتلَينا من اتبعه بمن توَلى عنه ، فكذلك ابتلينا أتباعك بمخالفيك من أعدائك فَلَيَعْلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا منهم في قيلهم آمنا وَلَيَعْلَمَنّ الكاذِبِين منهم في قيلهم ذلك ، والله عالم بذلك منهم قبل الاختبار ، وفي حال الاختبار ، وبعد الاختبار ، ولكن معنى ذلك : ولَيُظْهِرَنّ الله صدق الصادق منهم في قيله آمنا بالله من كذب الكاذب منهم بابتلائه إياه بعدوّه ، ليعلم صدقه من كذبه أولياؤه ، على نحو ما قد بيّناه فيما مضى قبلُ .

وذكر أن هذه الاَية نزلت في قوم من المسلمين عذّبهم المشركون ، ففتن بعضهم ، وصبر بعضهم على أذاهم حتى أتاهم الله بفرج من عنده . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول : نزلت ، يعني هذه الاَية الم . أحَسِبَ الناسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا . . . إلى قوله وَلَيَعْلَمَنّ الكاذِبِينَ في عمّار بن ياسر ، إذ كان يعذّب في الله .

وقال آخرون : بل نزل ذلك من أجل قوم كانوا قد أظهروا الإسلام بمكة ، وتخلفوا عن الهجرة ، والفتنة التي فتن بها هؤلاء القوم على مقالة هؤلاء ، هي الهجرة التي امتحنوا بها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن مطر ، عن الشعبيّ ، قال : إنها نزلت ، يعني الم . أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُترَكُوا الاَيتين في أناس كانوا بمكة أقرّوا بالإسلام ، فكتب إليهم أصحاب محمد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من المدينة : إنه لا يقبل منكم إقرارا بالإسلام حتى تهاجروا ، فخرجوا عامدين إلى المدينة ، فاتبعهم المشركون ، فردّوهم ، فنزلت فيهم هذه الاَية ، فكتبوا إليهم : إنه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا ، فقالوا : نخرج ، فإن اتبعنا أحد قاتلناه قال : فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم ثم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا ، فأنزل الله فيهم : ثُمّ إنّ رَبّكَ لِلّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ، ثُمّ جاهَدُوا وَصَبرُوا إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رحِيمٌ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله وَلَقَدْ فَتَنّا قال : ابتلينا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثْله .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال : ابتلينا الذين من قبلهم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي ابتلينا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

و { الذين من قبلهم } ، يريد بهم المؤمنين مع الأنبياء في سالف الدهر ، وقرأ الجمهور «فليَعلمن » بفتح الياء واللام الثانية ، ومعنى ذلك ليظهرن عليهم ويوجدن منهم ما علمه أزلاً ، وذلك أن علمه بذلك قديم وإنما هذه عبارة عن الإيجاد بالحالة التي تضمنها العلم القديم ، والصدق والكذب على بابهما أي من صدق فعله قوله ومن كذبه ونظير هذا قول زهير : [ البسيط ]

ليث بعثّر يصطاد الرجال إذا . . . ما كذب الليث عن أقرانه صدقا{[9200]}

قال النقاش ، قيل إن الإشارة ب { صدقوا } هي إلى مهجع مولى عمر بن الخطاب لأنه أول قتيل قتل من المؤمنين يوم بدر{[9201]} ، وقالت فرقة : إنما هي استعارة وإنما أراد بها الصلابة في الدين أو الاضطراب فيه وفي جهاد العدو ونحو هذا ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه{[9202]} «فليُعلِمن » بضم الياء وكسر اللام ، وهذه القراءة تحتمل ثلاثة معان أحدها أن يعلم في الآخرة هؤلاء الصادقين والكاذبين بمنازلهم من ثوابه وعقابه وبأعمالهم في الدنيا ، بمعنى يوقفهم على ما كان منهم{[9203]} ، والثاني أن يكون المفعول الأول محذوفاً تقديره ليعلمن الناس أو العالم هؤلاء الصادقين والكاذبين ، أي يفضحهم ويشهرهم ، هؤلاء في الخير وهؤلاء في الشر ، وذلك في الدنيا والآخرة{[9204]} ، والثالث أي يكون ذلك من العلامة أي لكل طائفة علماً تشهر به{[9205]} ، فالآية على هذا ينظر إليها قول النبي صلى الله عليه وسلم «من أسر سريرة ألبسه الله رداءها » وعلى كل معنى منها ففيها وعد للمؤمنين الصادقين ووعيد للكافرين ، وقرأ الزهري الأولى كقراءة الجمهور والثانية كقراءة عليّ رضي الله عنه .


[9200]:البيت من قصيدة لزهير يمدح بها هرم بن سنان. والليث هو الأسد، وأراد بكلمة (ليث) الأولى هرما، وعثر: موضع، والأقران: جمع قرن وهو الصاحب، أو المثل في الشجاعة والقتال. يقول: إن هرما في الشجاعة والقتال مثل الأسد الذي يصطاد الرجال في عثر، ولكن إذا حمي القتال، وكذب الأسد وخانته شجاعته فإن هرما يبقى على شجاعته لا يجبن ولا يفر من المعركة.
[9201]:رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة).
[9202]:وقرأ بها أيضا جعفر بن محمد.
[9203]:فالفعل (يعلم) مضارع (علم) المتعدية إلى مفعول واحد، والثاني محذوف، وتقديره كما قال ابن عطية: يعلمهم منازلهم وأعمالهم.
[9204]:المحذوف هنا هو المفعول الأول، ويظهر في تقدير ابن عطية: يعلم الناس والعالم.
[9205]:الفعل هنا متعد إلى مفعول واحد.