الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

ثم قال تعالى : { ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا } .

أي ولقد اختبرنا الذين من قبل قومك يا محمد ، بإرسال الرسل وبالأذى من المشركين كأذى القبط وفرعون لبني إسرائيل ، فليعلمن الله الذين صدقوا في قولهم إنا مؤمنون وليعلمن الكاذبين في قتيلهم ذلك . وقد كان الله جل ذكره عالما بهم في كل حال/ ، ولكن معناه فليظهرن الله ذلك بالابتلاء والاختبار .

وقيل : المعنى : فليعلمن الله الذين ثبتوا في الحرب من الذين انهزموا فيكون " صدقوا " مأخوذا من الصدق وهو الصلب{[54353]} .

وكذبوا من كذب إذا انهزم{[54354]} .

وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين عذبهم المشركون مثل عمار بن ياسر{[54355]} ، وعياش بن أبي{[54356]} ربيعة{[54357]} ، والوليد بن الوليد{[54358]} ، وهشام بن عمار{[54359]} ، وسمية أم عمارة{[54360]} ، وغيرهم ، ففتن بعضهم وصبر بعضهم على الأذى حتى فرج الله عنهم{[54361]} .

وقيل : نزلت في قوم أظهروا الإسلام بمكة وتخلفوا عن الهجرة ، فالفتنة تخلفهم عن الهجرة{[54362]} .

وقال الشعبي{[54363]} : نزلت في قوم أقروا بالإسلام في مكة فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل منكم إقرار بالإسلام حتى تهاجروا ، فخرجوا إلى المدينة فاتبعهم المشركون فردوهم ، فنزلت هذه الآية فيهم ، فكتبوا إليهم أنه قد أنزلت فيكم آية كذا وكذا . . فقالوا : نخرج ، فإن اتبعنا أحد قاتلناه ، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا فأنزل الله فيهم { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا }{[54364]} الآية{[54365]} .


[54353]:الصدق في اللغة: الصلب المستوي من الرماح والرجال.. والكامل من كل شيء. ومن المجاز: رجل صدق اللقاء أي: الثبت فيه. انظر: مادة "صدق" في لسان العرب 10/ 195،والقاموس المحيط 3/ 261، وتاج العروس 6/406.
[54354]:هو قول النحاس في كتابه إعراب 3/ 347، والجامع للقرطبي 13/326.
[54355]:هو أبو اليقظان عمار بن ياسر الكناني، الصحابي الجليل، أحد السابقين إلى الإسلام والجهر به.شهد بدرا وغيرها. توفي سنة 37 هـ، انظر: حلية الأولياء 1/ 139، رقم 22، والاستيعاب3/ 1135، رقم 1863، وصفة الصقوة 1/ 442، رقم 27، وأسد الغابة 3/ 626، رقم 3798، والإصابة 2/ 512، رقم 570.
[54356]:تكملة لأزمة حيث سقطت الكلمة من الأصل.
[54357]:مخزومي قرشي، وهو أخو أبو جهل لأمه، أسلم قديما وهاجر الهجرتين، واستشهد باليمامة وقيل باليرموك، وقيل مات سنة 15هـ، انظر: طبقات ابن سعد 4/129، والاستيعاب 3/1230، والإصابة 3/47، رقم 6123، وتقريب التهذيب 2/ 95، رقم 848.
[54358]:هو الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي من أشراف قريش في الجاهلية، وهو أخو خالد بن الوليد. أدرك الإسلام وثبت على وثنية قومه إلى أن كانت وقعة بدر فأسره المسلمون فأسلم ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم. مات بالمدينة سنة 7هـ انظر: طبقات ابن سعد 4/ 131، وأسد الغابة 4/ 678، رقم 5472، والإصابة 3/639، رقم 9151.
[54359]:لم أقف على ترجمته، ولم يذكره القرطبي ضمن هؤلاء الذين عذبوا.
[54360]:كانت أمة لأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي فزوجها من ياسر بن عامر بن مالك والد عمار ابن ياسر فولدت له عمارا، فأعتقه أبو حذيفة. وكانت سمية ممن عذب في الله وصبرت على الأذى في ذات الله تعالى، وكانت من المبايعات الخيرات الفاضلات، وهي أول شهيدة في الإسلام. انظر: سيرة ابن إسحاق 172، والاستيعاب 4/ 1863، والروض الأنف 2/ 78، والإصابة 4/ 334.
[54361]:انظر: الجامع القرطبي13/ 323.
[54362]:جامع البيان 20/ 129
[54363]:هو عامر بن شراحيل الحميري أبو عمرو الكوفي، حافظ فقيه من كبار التابعين، روى عن أبي هريرة وعائشة، وروى عنه ابن سيرين والأعمش، توفي سنة 103 هـ. انظر: حلية الأولياء 4/ 310، رقم 276، وتذكرة الحفاظ 1/ 79، رقم 76، وتقريب التهذيب 1/ 387، رقم46.
[54364]:النحل: 110
[54365]:انظر: جامع البيان 20/ 129، والكشف والبيان للثعلبي 6/ 17 ـ18. وأسباب النزول للواحدي 229، وزاد المسير 6/254، ولباب التقول 169، والدر المنثور6/ 449، وروح المعاني 20/135.