فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

{ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين3 }

ولقد امتحنا واختبرنا من سبقوا ، فتلك سنتنا في الذين خلوا من قبل ) . . ولا تجد لسنتنا تحويلا( {[3151]} ، نختبر بالعسر واليسر ، والسراء والضراء . ) . . ونبلوكم بالشر والخير فتنة . . ( {[3152]}فليظهرن الله من هو صادق في إيمانه ويقينه ودينه ، ومن هو كاذب يناقض عمله قوله ، يقول : هو من المسلمين ، ويعمل عمل الفاسقين ، فما آتى الله تعالى سليمان من ملك لم ينسه أنه فيه مختبر ، وبه ممتحن ، فقال : ) . . هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم( {[3153]} ، وروى البخاري-بسنده- عن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم- ولقد لقينا من المشركين شدة- فقلنا : ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ؟ ! فقال : " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه " - فكأنه قيل : فوالله ليعلمن بما يشبه الامتحان والاختبار الذين صدقوا في الإيمان الذي أظهروه ، والذين هم كاذبون فيه مستمرون على الكذب فليجازين كلا بحسب عمله فيه-{[3154]} .

مما يقول الطبري : ولقد اختبرنا الذين من قبلهم من الأمم ممن أرسلنا إليهم رسلنا فقالوا مثل ما قالته أمتك يا محمد بأعدائهم وتمكيننا إياهم من أذاهم ، كموسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل فابتليناهم بفرعون وملئه ، وكعيسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل فابتلينا من اتبعه بمن تولى عنه ، فكذلك ابتلينا أتباعك بمخالفيك من أعدائك فليعلمن الله الذين صدقوا منهم في قيلهم آمنا ، وليعلمن الكافرين منهم في قيلهم ذلك ، والله عالم بذلك منهم قبل الاختبار وفي حال الاختبار وبعد الاختبار ، ولكن معنى ذلك : وليظهرن الله صدق الصادق منهم في قيله آمنا بالله من كذب الكاذب منهم بابتلائه إياه بعدوه ، ليعلم صدقه من كذبه أولياؤه . اه .


[3151]:سورة الإسراء. من الآية 77.
[3152]:سورة الأنبياء. من الآية 35.
[3153]:سورة النمل. من الآية 40.
[3154]:مما أورد الألوسي.