تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

1

المفردات :

صدقوا : آمنوا عن عقيدة وإخلاص .

التفسير :

3-{ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }

لقد اختبرنا الأمم قبلكم ، وكذلك الرسل والأنبياء ، واختبرنا المؤمنين والصالحين في كل أمة وجيل ، وبهذا الاختبار وذلك البلاء يظهر المؤمن الصادق الثابت في البلاء ، ويظهر الكاذب المرائي ، تلك سنة الله ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، فالحياة الدنيا حافلة بأنواع البلاء والامتحان ، ومنه امتحان بالشر والتعذيب والسجن والقهر والإحباط ، وامتحان بالإغراء والمال والجاه والسلطان .

قال تعالى : { ونبلوكم بالشر وللخير فتنة وإلينا ترجعون } [ الأنبياء : 35 ] .

وقال تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } [ البقرة : 214 ]

وقال تعالى : ٍأم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم . . } [ التوبة : 16 ] .

وفي الحديث الصحيح : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء )2 .

قال ابن كثير :

{ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }

أي : الذين صدقوا في دعوى الإيمان ، ممن هو كاذب في قوله ودعواه ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ، وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة ، وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله : { إلا لنعلم . . } إلا لنرى ، وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بالموجود ، والعلم أعم من الرؤية ، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود . اه .

إن الله تعالى يعلم أزلا كل شيء ، والله بكل شيء عليم ، لكنه لم يحاسب العباد بمقتضى علمه القديم ، بل اختبرهم وامتحنهم بألوان التكاليف ، وصنوف الاختبار ، ليكون الجزاء في الآخرة على مقتضى سلوك العبد بالشكر أو بالكفر ، ويكون الجزاء نتيجة للتجربة العملية للإنسان .

أخرج ابن أبي حاتم أن : { الم*أحسب . . . } نزلت في أناس كانوا بمكة أقروا بالإسلام ، فكتب إليهم أصحاب الرسول عليه السلام بالمدينة ، ألا يقبل منهم حتى يهاجروا ، فخرجوا إلى المدينة فردّهم المشركون .