إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ } متَّصلٌ بقوله تعالى { أحسِب } أو بقولِه تعالى { لا يُفتنون } والمعنى أنَّ ذلك سنَّة قديمةٌ مبنية على الحكمِ البالغةِ جاريةٌ فيما بين الأممِ كلَّها فلا ينبغي أنْ يُتوقَّع خلافُها والمعنى أنّ الأممَ الماضيةَ قد أصابَهم من ضروبِ الفتنِ والمحنِ ما هو أشدُّ ممَّا أصاب هؤلاءِ فصبروا كما يُعرِبُ عنه قولُه تعالى : { وَكَأَيّن مّن نَّبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا استكانوا } [ سورة آل عمران ، الآية146 ] الآياتِ وعن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام : ( قد كان منَ قبلكم يُؤخذ فيوضع المنشارُ على رأسه فيُفرق فرقتينِ ما يصرفُه ذلك عن دينِه ويمشَّط بأمشاطِ الحديدِ ما دون عظمِه من لحمٍ وعصبٍ ما يصرفه ذلكَ عن دينه{[633]} ) { فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ } أي في قولِهم آمنا { وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين } في ذلك . لترتيبِ ما بعدها على ما يُفصح عنه ما قبلَها من وقوع الامتحانِ ، واللامُ جوابُ القَسَمِ ، والالتفاتُ إلى الاسمِ الجليلِ لإدخال الرَّوعةِ وتربية المهابة . وتكريرُ الجواب لزيادة التَّأكيدِ والتقرير ، أي فوالله ليتعلقن علمُه بالامتحان تعلُّقاً حالياً يتميزُ به الذين صدقُوا في الإيمان الذي أظهروه والذين هم كاذبونَ فيه مستمرَون على الكذب ويترتبُ عليه أجزيتُهم من الثَّواب والعقابِ ، ولذلك قيل : المعنى ليميزن أو ليجازين . وقُرئ وليُعلمنَّ من الإعلامِ أي وليعرِّفنَّهم النَّاسَ أو ليسمنّهم بسِمة يُعرفون بها يومَ القيامة كبياضِ الوجوه وسوادِها .


[633]:أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب (25) وكتاب المدينة باب (2، 10) ومناب الأنصار باب (29) كما أخرجه مسلم في كتاب البر حديث رقم (53) وأبو داود في كتاب الجهاد باب (97) وأحمد في مسنده (5/109، 111)؛ (6/395).