فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ( 3 ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ ( 4 ) مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 5 ) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( 6 ) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 7 ) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 8 ) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ( 9 )

{ لقد فتنا الذين من قبلهم } أي هذه سنة الله في عباده قديمة ، جارية في الأمم كلها ، وأنه يختبر مؤمني هذه الأمة كما اختبر من قبلهم من الأمم كما جاء في غير موضع من قصص الأنبياء ، وما وقع لهم من قومهم من المحن ، وما اختبر الله به أتباعهم ، ومن آمن بهم ، من تلك الأمور التي نزلت بهم ، فمنهم من نشر بالمنشار ، ومنهم من قتل ، ومنهم من ألقي في النار ومنهم من مشط بأمشاط الحديد ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم العذاب ، والمقصود التنبيه على خطئهم في هذا الحسبان ، والمعنى : أحسبوا ذلك ؟ وقد علموا أنه خلاف سنة الله ، ولن تجد لسنة الله تحويلا .

{ فليعلمن الله الذين صدقوا } في قولهم : آمنا ، علم مشاهدة { وليعلمن الكاذبين } منهم في ذلك ، أي ليظهر الله الصادق والكاذب في قولهم ، ويميز بينهم ، وقرئ بضم الياء وكسر اللام ، والمعنى أنه يعلم الطائفتين في الآخرة بمنازلهم ، أو يعلم الناس بصدق من صدق ، ويفضح الكاذبين بكذبهم ، أو يضع لكل طائفة علامة تشتهر بها وتتميز عن غيرها . وقيل : إن علم صفة يظهر فيها كل ما يقع ، وما هو واقع ، إلا أن قبل التكليف يعلم أن زيدا مثلا سيطيع وعمرا سيعصي ، ثم بعد التكليف يعلم أنه مطيع ، والآخر عاص ، ولا يتغير علمه في شيء من الأحوال ، وإنما المتغير هو المعلوم ، وأتى بصيغة الفعل في { صدقوا } وباسم الفاعل في { الكاذبين } لأن اسم يدل على ثبوت المصدر في الفاعل ، ورسوخه فيه ، والفعل الماضي لا يدل عليه لأن وقت نزول الآية كانت الحكاية عن قوم قريبي العهد بالإسلام ، وعن قوم مستمرين على الكفر ، فعبر في حق الأولين بلفظ الفعل ، وفي حق الآخرين بالصيغة الدالة على الثبات ، قاله زاده .