معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

قوله تعالى : { إلا الذين تابوا } من النفاق وآمنوا .

قوله تعالى : { وأصلحوا } ، عملهم .

قوله تعالى : { واعتصموا بالله } ، وثقوا بالله .

قوله تعالى : { وأخلصوا دينهم لله } ، أراد الإخلاص بالقلب ، لأن النفاق كفر القلب ، فزواله يكون بإخلاص القلب .

قوله تعالى : { فأولئك مع المؤمنين } قال الفراء : من المؤمنين .

قوله تعالى : { وسوف يؤت الله المؤمنين } ، في الآخرة .

قوله تعالى : { أجرا عظيماً } ، يعني : الجنة ، وحذفت الياء من { يؤت } ، في الخط لسقوطها في اللفظ ، وسقوطها في اللفظ لسكون اللام في الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

ثم أخبر تعالى أن من تاب [ منهم ]{[8518]} في الدنيا تاب عليه{[8519]} وقَبِلَ ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله ، واعتصم بربه في جميع أمره ، فقال : { إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ } أي : بَدَّلوا الرياء بالإخلاص ، فينفعهم العمل الصالح وإن قل .

قال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زَحْر ، عن خالد بن أبي عِمْران ، عن عمرو بن مرة ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخلص دينك ، يكفك القليل من العمل " {[8520]} .

{ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أي : في زمرتهم يوم القيامة { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا }


[8518]:زيادة من أ.
[8519]:في أ: "عليهم".
[8520]:ورواه الحاكم في المستدرك (1/570) وأبو نعيم في الحلية (1/244) وابن أبي الدنيا في الإخلاص برقم (79) من طريق عمرو بن مرة به، وفي إسناده انقطاع بين عمرو بن مرة ومعاذ فإنه لم يسمع منه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للّهِ فَأُوْلََئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } . .

وهذا استثناء من الله جل ثناؤه ، استثنى التائبين من نفاقهم إذا أصلحوا وأخلصوا الدين لله وحده وتبرّءوا من الاَلهة والأنداد ، وصدّقوا رسوله ، أن يكونوا مع المصرّين على نفاقهم ، حتى يوفيهم مناياهم فِي الاَخرة ، وأن يدخلوا مداخلهم من جهنم . بل وعدهم جلّ ثناؤه أن يُحلهم مع المؤمنين محلّ الكرامة ، ويسكنهم معهم مساكنهم في الجنة ، ووعدهم من الجزاء على توبتهم الجزيل من العطاء ، فقال : وَسَوْفَ يُؤْتِي اللّهُ المُؤمِنِينَ أجْرا عَظِيما } .

فتأويل الاَية : { إلاّ الّذِينَ تَابُوا } أي راجعوا الحقّ ، وأبوا إلا الإقرار بوحدانية الله وتصديق رسوله وما جاء به من عند ربه ، من نفاقهم . { وأَصْلَحُوا } : يعني وأصلحوا أعمالهم ، فعملوا بما أمرهم الله به وأدّوا فرائضه ، وانتهوا عما نهاهم عنه وانزجروا عن معاصيه . { واعْتَصمُوا بالله } يقول : وتمسكوا بعهد الله . وقد دللنا فيما مضى قبل ، على أن الاعتصام : التمسك والتعلق ، فالاعتصام بالله : التمسك بعهده وميثاقه الذي عهد في كتابه إلى خلقه من طاعته وترك معصيته . { وأخْلَصوا دِينَهُمْ لِلّهِ } يقول : وأخلصوا طاعتهم وأعمالهم التي يعملونها لله ، فأرادوه بها ، ولم يعملوها رئاء الناس ولا على شكّ منهم في دينهم وامتراء منهم ، في أن الله محصٍ عليهم ما عملوا ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته¹ ولكنهم عملوها على يقين منهم في ثواب المحسن على إحسانه وجزاء المسيء على إساءته ، أو يتفضل عليه ربه فيعفو ، متقرّبين بها إلى الله مريدين بها وجه الله¹ فذلك معنى إخلاصهم لله دينهم . ثم قال جلّ ثناؤه : { فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ } يقول : فهؤلاء الذين وصف صفتهم من المنافقين بعد توبتهم وإصلاحهم واعتصامهم بالله وإخلاصهم له مع المؤمنين في الجنة ، لا مع المنافقين الذي ماتوا على نفاقهم ، الذي أوعدهم الدّرْكَ الأسفل من النار . ثم قال : { وَسَوْفَ يُؤْتِي اللّهُ المُؤْمِنِينَ أجْرا عَظِيما } يقول : وسوف يعطي الله هؤلاء الذين هذه صفتهم على توبتهم وإصلاحهم واعتصامهم بالله وإخلاصهم دينهم له على إيمانهم ، ثوابا عظيما ، وذلك درجات في الجنة ، كما أعطى الذين ماتوا على النفاق منازل في النار ، وهي السفلى منها¹ لأن الله جلّ ثناؤه وعد عباده المؤمنين أن يؤتيهم على إيمانهم ذلك ، كما أوعد المنافقين على نفاقهم ما ذكر في كتابه . وهذا القول ، هو معنى قول حذيفة بن اليمان الذي :

حدثنا به ابن حميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال حذيفة : ليدخلنّ الجنة قوم كانوا منافقين ! فقال عبد الله : وما علمك بذلك ؟ فغضب حذيفة ، ثم قام فتنحّى . فلما تفرّقوا مرّ به علقمة فدعاه ، فقال : أما إنّ صاحبك يعلم الذي قلت ! ثم قرأ { إلاّ الّذِينَ تابُوا وأصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا باللّهِ وأخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤتِي اللّهُ المُؤمِنِينَ أجْرا عَظِيما } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

ثم استثنى عز و جل التائبين من المنافقين ، ومن شروط التائب أن يصلح في قوله وفعله ، ويعتصم بالله ، أي يجعله منعته وملجأه ، ويخلص دينه لله تعالى ، وإلا فليس بتائب ، وقال حذيفة بن اليمان بحضرة عبد الله بن مسعود : والله ليدخلن الجنة قوم كانوا منافقين ، فقال له عبد الله بن مسعود : وما علمك بذلك ؟ فغضب حذيفة وتنحى ، فلما تفرقوا مر به علقمة فدعاه وقال : أما إن صاحبكم يعلم الذي قلت ، ثم تلا { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا } الآية ، وأخبر تعالى أنهم مع المؤمنين في رحمة الله وفي منازل الجنة ، ثم وعد المؤمنين «الأجر العظيم » وحذفت الياء من { يؤت } في المصحف تخفيفاً قال الزجّاج : لسكونها وسكون اللام في { الله } ، كما حذفت من قوله { يوم يناد المناد }{[4349]} وكذلك { سندع الزبانية }{[4350]} وأمثال هذا كثير و «الأجر العظيم » : التخليد في الجنة .


[4349]:- من قوله تعالى في الآية (41) من سورة (ق): {واستمع يوم ينادي المناد من مكان قريب}.
[4350]:- الآية رقم (18) من سورة (العلق).