فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

والخطاب لكل من يصلح له أو للنبي صلى الله عليه وسلم { إلا الذين تابوا } من النفاق { وأصلحوا } ما أفسدوا من أحوالهم وأعمالهم { واعتصموا بالله } أي تمسكوا بعهده ووثقوا به ، والاعتصام به التمسك به والوثوق بوعده { وأخلصوا دينهم لله } أي جعلوه خالصا له غير مشوب بطاعة غيره ، فهذه الأمور الأربعة إذا حصلت فقد كمل الإيمان وذلك قوله{[562]} .

{ فأولئك } الذين اتصفوا بالصفات السابقة الأربعة والإشارة بما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد المنزلة وعلو الطبقة { مع المؤمنين } فيما يؤتونه ، قال الفراء : أي المؤمنين يعني الذين لم يصدر منهم نفاق أصلا .

قال القتيبي : حاد عن كلامهم غضبا عليهم فقال أولئك مع المؤمنين ولم يقل هم المؤمنون انتهى ، والظاهر أن معنى { مع } معتبر هنا أي فأولئك مصاحبون للمؤمنين في أحكام الدنيا والآخرة ثم بين ما أعد الله للمؤمنين الذين هؤلاء معهم فقال :

{ وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما } في الآخرة وحذفت الياء من { يؤتى } في الخط كما حذفت في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها ، ومثله { يوم يدع الداع ، وسندع الزبانية ، ويوم يناد المناد } ونحوها فإن الحذف في الجميع لالتقاء الساكنين ، فجاء الرسم تابعا للفظ ، والقراء يقفون عليه دون ياء إتباعا للخط الكريم إلا يعقوب والكسائي وحمزة فإنهم يقفون بالياء نظرا إلى الأصل .


[562]:قال السيوطي في "الدر"2/236 رواه ابن أبي شيبة وهناد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في صفة الناس عن ابن مسعود. قلت: وفي سنده انقطاع، لأن خيثمة بن عبد الرحمن الراوي عن ابن مسعود لم يسمع منه، ذكر الإمام أحمد، ورواه ابن أبي حاتم من طريق حماد ابن سلمة: أخبرنا علي بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود... وعلي بن يزيد ضعيف، والقاسم بن عبد الرحمن صدوق يرسل كثيرا وفي "الطبري" 9/339 عن أبي هريرة (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) قال: "في توابيت ترتج عليهم" وفي تفسير ابن كثير1/570: ورواه ابن أبي حاتم بسند حسن، ولفظه: "الدرك الأسفل: بيوت لها أبواب تطبق عليهم، فتوقد من تحتهم ومن فوقهم".