محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

( الا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما146 ) .

( الا الذين تابوا ) أي : عن النفاق ( وأصلحوا ) أي : أعمالهم ( واعتصموا بالله ) أي : وثقوا به بترك موالاة الكفار ( وأخلصوا دينهم لله ) فلم يبق لهم فيه تردد . ولم يريدوا بطاعتهم الا وجهه سبحانه ، لا رياء الناس كما كانوا قبل . ( فأولئك مع المؤمنين ) إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة . وما فيه من معنى البعد ، للايذان ببعد المنزلة وعلو الطبقة . أي : لعلو رتبتهم بهذه الأمور لا يكونون في درك من النار فضلا عن الأسفل ، بل مع المؤمنين المستمرين على الايمان بلا نفاق . أي : معهم في درجات الجنان . وقد بين ذلك بقوله سبحانه : ( وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ) ثوابا وافرا في الجنة . فيشاركونهم فيه ويساهمونهم . وحذفت ( الياء ) في الخط هنا اتباعا للفظ . لسكونها وسكون اللام بعدها . ومثله : ( يوم يدع الداع ) {[2387]} و : ( سندع الزبانية ) {[2388]} ( ويوم يناد مناد ) {[2389]} / ونحوها . فإن الحذف في الجميع لالتقاء الساكنين . فجاء الرسم تابعا للفظ . والقراء يقفون عليه دون الياء ، اتباعا للخط الكريم . الا يعقوب والكسائي وحمزة . فانهم يقفون بالياء ، نظرا إلى الأصل . كذا في ( الفتح ) .

تنبيه :

قال الزمخشري : فإن قلت : من المنافق ؟ قلت : هو في الشريعة من أظهر الايمان وأبطن الكفر . وأما تسمية من ارتكب ما يفسق ب ( المنافق ) فللتغليظ ، كقوله{[2390]} : " من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر جهارا " . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام{[2391]} : " ثلاث من كن فيه فهو منافق وان صام وان صلى وزعم أنه مسلم : من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " . وقيل لحذيفة رضي الله عنه : من المنافق ؟ فقال : الذي يصف الاسلام ولا يعمل له " . وقيل لابن عمر " ندخل على السلطان ونتكلم بكلام فإذا خرجنا تكلمنا بخلافه . فقال : كنا نعده من النفاق " انتهى كلامه .

أقول : قول الزمخشري ( فللتغليظ ) يوجد مثله لثلة من شراح الحديث وغيرهم . وقد بحث فيه بعض محققي مشايخنا بقوله : هذا الجواب لا يرتضيه من عرف النبي صلى الله عليه وسلم . كأنهم غفلوا عما يستلزمه هذا الجواب مما لا يرتضيه أدنى عالم أن ينسب اليه . وهو الاخبار بخلاف الواقع لأجل الزجر . انتهى . وقال بعض المحققين : عليك أن تقٍر الأحاديث كما وردت ، لتنجو من معرة الخطر .


[2387]:|54/ القمر/ 6| ونصها: (فتول عنهم يوم يدع الداع الى شيء نكر6).
[2388]:|96/ العلق/ 18|.
[2389]:|50/ق/ 41| ونصها: (واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب6).
[2390]:قال في (الجامع الصغير): رواه الطبراني في (الأوسط) عن أنس. قال العزيزي: اسناده حسن.
[2391]:أخرجه مسلم في: 1 –كتاب الايمان، عن أبي هريرة. وهذه نصوصه: الحديث رقم 107 "أية المنافق ثلاث: اذا حدث كذب، واذا وعد أخلف، واذا اؤتمن خان". والحديث رقم 108 "من علامات المنافق ثلاثة: اذا حدث كذب، واذا وعد أخلف، واذا اؤتمن خان". والحديث رقم 109 "آية المنافق ثلاث. وان صام وصلى وزعم أنه مسلم". أما حديث بصورة ما في المتن، فلم أهتد اليه.