الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

قوله تعالى : { إِلاَّ الَّذِينَ } :فيه ثلاثةُ أوجه ، احدُها : أنه منصوبٌ على الاستثناء مِنْ قوله : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ } الثاني : أن مستثنى من الضميرِ المجرورِ في " لهم " الثالث : أنه مبتدأٌ ، وخبرُه الجملةُ من قوله : { فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } قيل : " ودَخَلَتِ الفاءُ في الخبرِ لشبهِ المبتدأ باسم الشرط قال أبو البقاء ومكي وغيرُهما : " مع المؤمنين " خبرُ " أولئك " والجملةُ خبر " إلا الذين " والتقدير : فأولئك مؤمنون مع المؤمنين ، وهذا التقديرُ لا تقتضيه الصناعة ، بل الذي تقتضيه الصناعة أن يُقَد‍َّر الخبرُ الذي يتعلق به هذا الظرف شيئاً يليق به ، وهو " فأولئك مصاحبون أو كائنون أو مستقرون " ونحوه ، فتقدِّرُه كوناً مطلقاً أو مايقاربه .

قوله : { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ } رُسِمت " يؤت " دون " ياء " وهو مضارعٌ مرفوع فحقُّ يائه أن تثبت لفظاً وخطاً ، إلا أنها حذفت لفظاً في الوصل لالتقاء الساكنين فجاءُ الرسم تابعاً للفظ ، وله نظائر تقدم بعضها . والقراءُ يقفون عليه دون ياء أتِّباعاً للخط الكريم ، إلا يعقوبَ فإنه يقف بالياء نظراً إلى الأصل ، ورُوي ذلك أيضاً عن الكسائي وحمزة . وقال أبو عمرو : " ينبغي أن لا يُوقَفَ عليها ، لأنه إنْ وُقف عليها كما في الرسم دون ياء خالف النحويين ، وإن وقف بالياء خالف رسم المصحف " ولا بأسَ بما قال ، لأن الوقف ليس ضرورياً ، فإن اضْطُرَّ إليه واقفٌ لقَطْعِ نَفَس ونحوه فنيبغي أن يُتابَع الرسمُ ، لأنَّ الأطرافَ قد كَثُر حَذْفُها ، ومِمَّا يشبه هذا الموضعَ قولهُ : { وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } [ غافر : 9 ] فإنه رسم " تَقِ " بقافٍ دون هاءِ سكت ، وعند النحويين أنه إذا حُذِف من الفعل شيءٌ حتى لم يبق منه إلا حرفٌ واحد ووُقِف عليه وَجَبَ الإِتيانُ بهاء السكت في آخره جبراً له نحو : " قِهْ " و " لم يقه " و " عِه " و " لم يَعِه " ، ولا يُعْتَدُّ بحرف المضارعة لزيادتِه على بنية الكلمة فإذا تقرر هذا فنقول : ينبغي ألاَّ يوقف عليه ؛ لأنه إنْ وُقِف بغير هاءِ سكت خالف الصناعة النحوية ، وإنْ وُقِفَ بهاء خالف رسمَ المصحفَ .