ثم قال مسليا له : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } كما قال في " سورة النساء " سواء ، أي : منهم من أوحينا إليك خبرهم وقصصهم مع قومهم كيف كذبوهم ثم كانت للرسل العاقبة والنصرة ، { وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } وهم أكثر ممن ذكر
بأضعاف أضعاف ، كما تقدم التنبيه على ذلك في سورة النساء{[25597]} ، ولله الحمد والمنة .
وقوله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ } أي : ولم يكن لواحد من الرسل أن يأتي قومه بخارق للعادات ، إلا أن يأذن الله {[25598]} له في ذلك ، فيدل ذلك على صدقه فيما جاءهم به ، { فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ } وهو عذابه ونكاله المحيط بالمكذبين { قُضِيَ بِالْحَقِّ } فينجو المؤمنون ، ويهلك الكافرون ؛ ولهذا قال : { وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مّن لّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَلَقَدْ أرْسَلْنا يامحمد رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ إلى أممها مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ يقول : من أولئك الذين أرسلنا إلى أممهم من قصصنا عليك نبأهم وَمِنْهُمْ مِنْ لَمْ نَقْصُصّ عَلَيْكَ نبأهم . وذُكر عن أنس أنهم ثمانية آلاف . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا عليّ بن شعيب السمسار ، قال : حدثنا معن بن عيسى ، قال : حدثنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار ، عن محمد بن المنكدر ، عن يزيد بن أبان ، عن أنس بن مالك ، قال : بُعث النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ثمانية آلاف من الأنبياء ، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل .
حدثنا أبو كُرَيْب قال : حدثنا يونس ، عن عتبة بن عتيبة البصريّ العبديّ ، عن أبي سهل عن وهب بن عبد الله بن كعب بن سور الأزدي ، عن سلمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «بعث الله أربعة آلاف نبي » .
حدثني أحمد بن الحسين الترمذي ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن ابن عبد الله بن يحيى ، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، في قوله : مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مِنْ لَمْ نَقْصُصّ عَلَيْكَ قال : بعث الله عبدا حبشيا نبيا ، فهو الذي لم نقصص عليك .
وقوله : وَما كانَ لِرَسُولِ أنْ يَأْتِيَ بآيَةٍ إلاّ بإذْنِ اللّهِ يقول تعالى ذكره : وما جعلنا لرسول ممن أرسلناه من قبلك الذين قصصناهم عليك ، والذين لم نقصصهم عليك إلى أممها أن يأتي قومه بآية فاصلة بينه وبينهم ، إلا بإذن الله له بذلك ، فيأتيهم بها يقول جلّ ثناؤه لنبيه : فلذلك لم يجعل لك أن تأتي قومك بما يسألونك من الاَيات دون إذننا لك بذلك ، كما لم نجعل لمن قبلك من رسلنا إلا أن نأذن له به فإذَا جاءَ أمْرُ اللّهِ قُضِيَ بالحَقّ يعني بالعدل ، وهو أن ينجي رسله والذين آمنوا معهم وخَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلُونَ يقول : وهلك هنالك الذين أبطلوا في قيلهم الكذب ، وافترائهم على الله وادعائهم له شريكا .
وقوله تعالى : { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك } الآية رد على العرب الذين قالوا : إن الله لا يبعث بشراً رسولاً واستبعدوا ذلك .
وقوله تعالى : { منهم من قصصنا } قال النقاش : هم أربعة وعشرون .
وقوله تعالى : { ومنهم من لم نقصص عليك } روي من طريق أنس بن مالك عن النبي عليه السلام أن الله تعالى بعث ثمانية آلاف رسول{[10026]} . وروي عن سلمان عن النبي عليه السلام قال : «بعث الله أربعة آلاف نبي »{[10027]} وروي عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال : بعث الله رسولاً من الحبشة أسود{[10028]} ، وهو الذي يقص على محمد .
قال القاضي أبو محمد : وهذا إنما ساقه على أن هذا الحبشي مثال لمن لم يقص ، لا أنه هو المقصود وحده ، فإن هذا بعيد .
وقوله تعالى { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله } رد على قريش في إنكارهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقولهم إنه كاذب على الله تعالى . والإذن يتضمن علماً وتمكيناً . فإذا اقترن به أمر قوي كما هو في إرسال النبي ، ثم قال تعالى : { فإذا جاء أمر الله } أي إذا أراد الله إرسال رسول وبعثة نبي ، قضى ذلك وأنفذه بالحق ، وخسر كل مبطل وحصل على فساد آخرته ، وتحتمل الآية معنى آخر ، وهو أن يريد ب { أمر الله } القيامة ، فتكون الآية توعداً لهم بالآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.