تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلۡحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (78)

الآية 78 وقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ } يقول : لست أنت بأول رسول أرسلت إليهم ، فاستعبدوك وأنكروك ، وكذّبوك ، بل قد أرسل إلى الأمم السالفة رسل مثل ما أرسلت أنت إلى هؤلاء .

وقوله تعالى : { مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } في الآية دلالة أنا لم نؤخذ بمعرفة أعين الرسل وأساميهم على التعيين كما أنا لا نؤخذ بالإيمان بالله تعالى [ بجميع ما جاء منه على التفصيل والتعيين بأساميهم لكن على الجملة .

وعلى هذا قلنا إن الإيمان برسول واحد إيمان بجميع الرسل ؛ إذ لم يؤخذ منه الإنكار لغيره على الجملة والتعيين ، وكذلك الإيمان بالله تعالى ]{[18367]} إيمان بالرسل جميعا ، لأن الإيمان بالله إيمان بأمره ونهيه ، فيكون إيمانا بمن جاء الأمر والنهي على يده ، والله الموفّق .

وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } كأنهم سألوه أن يأتي بآية بعد آية على إثر آية أخرى ، فقال عند سؤالهم ذلك { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } أي ليس لرسول أن يأتي بالآية على شهوته أو على شهوة السائل .

وهذه الآية تدل على نقض قول الباطنية ، فإنهم يقولون : إن أنفس الرسل جواهر روحانية يأتون [ بالآيات حين يشاؤون ]{[18368]} من غير إذن من الله تعالى ومن غير سؤال عنها إياهم{[18369]} في وقت الإتيان .

ولو كان الأمر على ما قالوا لم يكن لقوله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } معنى ، وإنه مخالف للآية ، فإن فيها إخبارا أنه لا يأتي الرسل بالآيات إلا بإذن من الله تعال ، والله الموفّق .

وقوله تعالى : { فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } أي إذا جاء الأمر بعذاب الله ، وإذا جاء الأمر بموعود الله ، يعبّر بالأمر عن الموعود الذي أوعدوا ، وقد ذكرنا معنى الخسران في ما تقدم .


[18367]:من م، ساقطة من الأصل.
[18368]:في الأصل وم: بها الآية حيث شاؤوا.
[18369]:في الأصل وم: إياه.