معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۖ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (68)

قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم } ، أي : تقيموا أحكامهما ، وما يجب عليكم فيهما .

قوله تعالى : { وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً فلا تأس } ، فلا تحزن .

قوله تعالى : { على القوم الكافرين } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۖ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (68)

يقول تعالى : قل يا محمد : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ } أي : من الدين ، { حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ } أي : حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء ، وتعملوا بما فيها ومما فيها الأمر{[10124]} باتباع بمحمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بمبعثه ، والاقتداء بشريعته ؛ ولهذا قال ليث ابن أبي سليم ، عن مجاهد ، في قوله : { وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } يعني : القرآن العظيم .

وقوله : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا } تقدم تفسيره { فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } أي : فلا تحزن عليهم ولا يَهيدنَّك ذلك منهم .


[10124]:في أ: "بما فيها من الأمر".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۖ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (68)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قُلْ يََأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىَ شَيْءٍ حَتّىَ تُقِيمُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رّبّكُمْ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيراً مّنْهُمْ مّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } . .

وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم بابلاغ اليهود والنصارى الذين كانوا بين ظهرانيْ مهاجره ، يقول تعالى ذكره له : قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى : يا أَهْلَ الكِتابِ التوراة والإنجيل ، لستم على شيء مما تدّعون أنكم عليه مما جاءكم به موسى صلى الله عليه وسلم معشر اليهود ، ولا مما جاءكم به عيسى معشر النصارى ، حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم من الفرقان ، فتعملوا بذلك كله وتؤمنوا بما فيه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه ، وتقرّوا بأن كلّ ذلك من عند الله ، فلا تكذبوا بشيء منه ولا تفرّقوا بين رسل الله فتؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض ، فإن الكفر بواحد من ذلك كفر بجميعه ، لأن كتب الله يصدّق بعضها بعضا ، فمن كذّب ببعضها فقد كذّب بجميعها . وبنحو ما قلنا في ذلك جاء الأثر :

حدثنا هناد بن السريّ وأبو كريب ، قالا : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولي زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة ، وسلام بن مِشْكم ، ومالك بن الصيف ، ورافع بن حريملة ، فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، وتؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها من الله حقّ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بَلى ، ولَكِنّكُمْ أحْدَثْتُمْ وجَحَدْتُمْ ما فِيها مِمّا أُخِذَ عَلَيْكُمْ مِنَ المِيثاقِ ، وكَتَمْتُمْ مِنْها ما أمِرْتُمْ أنْ تُبَيّنُوهُ للنّاسِ ، وأنا بَرِيءٌ مِنْ أحْداثِكُمْ » قالُوا : فإنّا نَأْخُذُ بما في أيدينا ، فإنا على الحقّ والهدى ، ولا نؤمن بك ولا نتبعك . فأنزل الله : قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لَسْتُمْ على شَيْءٍ حتى تِقِيمُوا التّوْرَاةَ ، والإنْجِيلِ وَما أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ . . . إلى : فَلا تَأْسَ على القَوْمِ الكافِرِينَ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لَسْتُمْ على شَيْءٍ حتى تُقِيمُوا التّوْرَاةَ والإنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ قال : فقد صرنا من أهل الكتاب التوراة لليهود والإنجيل للنصارى . وما أنزل إليكم من ربكم ، وما أنزل إلينا من ربنا . أي لستم على شيء حتى تقيموا حتى تعملوا بما فيه .

القول في تأويل قوله تعالى : ولَيزِيدَنّ كَثِيرا مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيانا وكُفْرا فَلا تَأْسَ على القَوْمِ الكافِرِينَ .

يعني تعالى ذكره بقوله : ولَيزِيدَنّ كَثِيرا مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيانا وكُفْرا : وأقسم ليزيدنّ كثيرا من هؤلاء اليهود والنصارى الذين قصّ قصصهم في هذه الاَيات الكتابُ الذي أنزلته إليك يا محمد طغيانا ، يقول : تجاوزا وغلوّا في التكذيب لك على ما كانوا عليه لك من ذلك قبل نزول الفرقان ، كُفْرا يقول : وجحودا لنبوّتك . وقد أتينا على البيان عن معنى الطغيان فيما مضى قبل .

وأما قوله : فَلا تَأْسَ على القَوْمِ الكافِرِينَ يعني : يقول فَلا تَأْس فلا تحزن ، يقال : أسِيَ فلان على كذا : إذا حزن يأسَى أسًى ، ومنه قول الراجز :

***وانْحَلَبتْ عَيْناهُ مِنْ فَرْطِ الأَسَى ***

يقول تعالى ذكره لنبيه : لا تحزن يا محمد على تكذيب هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى من بني إسرائي لك ، فإن مثل ذلك منهم عادة وخلق في أنبيائهم ، فكيف فيك ؟ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : وَلَيزِيدَنّ كَثِيرا مِنْهُمْ أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيانا وكُفْرا قال : الفرقان . يقول : فلا تحزن .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : فَلا تَأْسَ على القَوْمِ الكافِرِينَ قاال : لا تحزن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۖ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (68)

ثم أمر تعالى نبيه محمداً عليه السلام أن يقول لأهل الكتاب الحاضرين معه { لستم على شيء } أي على شيء مستقيم حتى تقيموا التوراة والإنجيل ، وفي إقامة هذين الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله تعالى : { وما أنزل إليكم من ربكم } يعني به القرآن ، قاله ابن عباس وغيره ثم أخبر تعالى نبيه أنه سيطغى كثير منهم بسبب نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويزيده نزول القرآن والشرع كفراً وحسداً ، ثم سلاه عنهم وحقرهم بقوله { فلا تأس على القوم الكافرين } أي لا تحزن إذ لم يؤمنوا ولا تبال عنهم ، والأسى الحزن يقال أسي الرجل يأسى أسىً إذا حزن ، ومنه قول الراجز :

*وانحلبت عيناه من فرط الأسى*{[4628]}

وأسند الطبري إلى ابن عباس قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن جارية وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حريملة فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وأنك تؤمن بالتوراة وبنبوة موسى وأن جميع ذلك حق ؟ قال : بلى ، ولكنكم أحدثتم وغيرتم وكتمتم ، فقالوا : إنّا نأخذ بما في أيدينا فإنه الحق ولا نصدقك ولا نتبعك ، فنزلت الآية بسبب ذلك { قل يا أهل الكتاب } الآية{[4629]} .


[4628]:- قال في (اللسان): تحلب العرق وانحلب: سال: وتحلّب فوه: سال، وتحلبت عيناه وانحلبتا قال: *وانحلبت عيناه من طول الأسى* ولم ينسب الرجز إلى أحد.
[4629]:- أخرجه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ- عن ابن عباس رضي الله عنهما.