البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۖ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (68)

{ قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم } قال رافع بن سلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حريملة : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ، وإنك تؤمن بالتوراة ونبوة موسى ، وأن ذلك حق ؟ قال : « بلى ولكنكم أحدثتم وغيرتم وكتمتم » فقالوا : إنا نأخذ بما في أيدينا فإنه الحق ، ولا نصدقك ، ولا نتبعك فنزلت .

وتقدم الكلام على إقامة التوراة والإنجيل وما أنزل ، فأغنى عن إعادته .

ونفى أن يكونوا على شيء جعل ما هم عليه عدماً صُرِفاً لفساده وبطلانه فنفاه من أصله ، أو لا حظ فيه ، صفة محذوفة أي : على شيء يعتد به ، فيتوجه النفي إلى الصفة دون الموصوف .

{ وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً } تقدم تفسير هذه الجملة .

{ فلا تأس على القوم الكافرين } أي لا تحزن عليهم .

فأقام الظاهر مقام المضمر تنبيهاً على العلة الموجبة لعدم التأسف ، أو هو عام فيندرجون فيه .

وقيل : في قوله : { حتى تقيموا التوراة } جمع في الضمير ، والمقصود التفصيل أي : حتى يقيم أهل التوراة التوراة ، ويقيم أهل الإنجيل الإنجيل ، ولا يحتاج إلى ذلك إن أريد ما في الكتابين من التوحيد ، فإنّ الشرائع فيه متساوية .