المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۖ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (68)

ثم أمر تعالى نبيه محمداً عليه السلام أن يقول لأهل الكتاب الحاضرين معه { لستم على شيء } أي على شيء مستقيم حتى تقيموا التوراة والإنجيل ، وفي إقامة هذين الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله تعالى : { وما أنزل إليكم من ربكم } يعني به القرآن ، قاله ابن عباس وغيره ثم أخبر تعالى نبيه أنه سيطغى كثير منهم بسبب نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويزيده نزول القرآن والشرع كفراً وحسداً ، ثم سلاه عنهم وحقرهم بقوله { فلا تأس على القوم الكافرين } أي لا تحزن إذ لم يؤمنوا ولا تبال عنهم ، والأسى الحزن يقال أسي الرجل يأسى أسىً إذا حزن ، ومنه قول الراجز :

*وانحلبت عيناه من فرط الأسى*{[4628]}

وأسند الطبري إلى ابن عباس قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن جارية وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حريملة فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وأنك تؤمن بالتوراة وبنبوة موسى وأن جميع ذلك حق ؟ قال : بلى ، ولكنكم أحدثتم وغيرتم وكتمتم ، فقالوا : إنّا نأخذ بما في أيدينا فإنه الحق ولا نصدقك ولا نتبعك ، فنزلت الآية بسبب ذلك { قل يا أهل الكتاب } الآية{[4629]} .


[4628]:- قال في (اللسان): تحلب العرق وانحلب: سال: وتحلّب فوه: سال، وتحلبت عيناه وانحلبتا قال: *وانحلبت عيناه من طول الأسى* ولم ينسب الرجز إلى أحد.
[4629]:- أخرجه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ- عن ابن عباس رضي الله عنهما.