قوله تعالى : { إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا } ، قال عبد الله بن المبارك : الحلال ما أخذته من وجهه ، والطيب ما غذى وأنمى ، فأما الجوامد كالطين والتراب ، وما لا يغذي فمكروه إلا على وجه التداوي .
قوله تعالى : { واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } ،
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب ، أنا أبو عيسى الترمذي ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، وسلمة بن شبيب ومحمود بن غيلان قالوا : أخبرنا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل .
ثم قال : { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا } أي : في حال كونه حلالا طيبًا ، { وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي : في جميع أموركم ، واتبعوا طاعته ورضوانه ، واتركوا مخالفته{[10254]} وعصيانه ، { الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيّباً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } . .
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المؤمنين الذين نهاهم أن يحرّموا طيبات ما أحلَ الله لهم : كلوا أيها المؤمنون من رزق الله الذي رزقكم وأحله لكم حلالاً طيبا . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : وكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيّبا يعني : ما أحلّ الله لهم من الطعام .
وأما قوله : " وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي أنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ " ، فإنه يقول : وخافوا أيها المؤمنون أن تعتدوا في حدوده ، فتحلوا ما حرّم عليكم وتحرّموا ما أحلّ لكم ، واحذروه في ذلك أن تخالفوه فينزل بكم سخطه ، أو تستوجبوا به عقوبته . " الّذِي أنْتُمْ به مُؤْمِنُونَ " يقول : الذي أنتم بوحدانيته مقرّون وبربوبيته مُصدّقون .
روي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف القيامة لأصحابه يوما وبالغ في إنذارهم ، فرقوا واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين ، وأن لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ، ويسيحوا في الأرض ، ويجبوا مذاكيرهم . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : إني لم أمر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فنزلت .
{ وكلوا ما رزقكم الله حلالا طيبا } أي كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله ، فيكون حلالا مفعول كلوا ومما حال منه تقدمت عليه لأنه نكرة ويجوز أن تكون من ابتدائية متعلقة بكلوا ، ويجوز أن تكون مفعولا وحلالا حال من الموصول ، أو العائد المحذوف ، أو صفة لمصدر محذوف وعلى الوجوه لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة . { واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } .
{ كلوا } في هذه الآية عبارة عن تمتعوا بالأكل والشرب واللباس والركوب . ونحو ذلك ، وخص الأكل بالذكر لأنه أعظم المقصود{[4672]} وأخص الانتفاعات بالإنسان ، والرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به ، وقالت المعتزلة : الرزق كل ما صح تملكه والحرام ليس برزق لأنه لا يصح تملكه . ويرد عليهم بأنه يلزمهم أن آكل الحرام ليس بمرزوق من الله تعالى وقد خرج بعض النبلاء أن الحرام رزق من قوله تعالى { كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور }{[4673]} قال فذكر المغفرة مشيراً إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام ، ورد أبو المعالي في الإرشاد على المعتزلة مشيراً إلى أن الرزق ما تملك يلزمهم أن ما ملك فهو الرزق ، وملك الله تعالى الأشياء لا يصح أن يقال فيه إنه رزق له .
قال القاضي أبو محمد : وهذا الذي ألزم غير لازم ، فتأمله ، وباقي الآية بين .
قوله : { وكلوا ممّا رزقكم الله حلالاً طيّباً } تأكيد للنهي عن تحريم الطّيبات وهو معطوف على قوله : { لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم } أي أنّ الله وسّع عليكم بالحلال فلا تعتدوه إلى الحرام فتكفروا النعمة ولا تتركوه بالتحريم فتُعرضوا عن النعمة .
واقتُصِر على الأكل لأنّ معظم ما حرّمه الناس على أنفسهم هو المآكل . وكأنّ الله يعرّض بهم بأنّ الاعتناء بالمهمّات خير من التهمّم بالأكل ، كما قال { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ] الآية . وبذلك أبطل ما في الشرائع السابقة من شدّة العناية بأحكام المأكولات . وفي ذلك تنبيه لِهذه الأمّة .
وقوله { واتّقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } جاء بالموصول للإيماء إلى علّة الأمر بالتقوى ، أي لأنّ شأن الإيمان أن يقتضي التقوى ، فلمّا آمنتم بالله واهتديتم إلى الإيمان فكمِّلوه بالتقوى . روي أنّ الحسن البصري لقيَ الفرزدق في جنازة ، وكانا عند القبر ، فقال الحسن للفرزدق : ما أعدَدْت لهذا . يعني القَبر . قال الفرزدق : شهادة أن لا إله إلاّ الله كذا كذا سنة . فقال الحسن : هذا العمود ، فأين الأطْناب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.