معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (110)

قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا } . تسلفوا .

قوله تعالى : { لأنفسكم من خير } . طاعة وعمل صالح .

قوله تعالى : { تجدوه عند الله } . وقيل : أراد بالخير المال كقوله تعالى ( إن ترك خيراً ) وأراد من زكاة وصدقه تجدوه عند الله التمرة واللقمة مثل أحد . { إن الله بما تعملون بصير } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (110)

وقوله تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ } يَحُثُّ{[2525]} تعالى على الاشتغال بما ينفعهم وتَعُودُ عليهم عاقبتُه يوم القيامة ، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، حتى يمكن لهم الله{[2526]} النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 52 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يعني : أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل ، ولا يضيع لديه ، سواء كان خيرًا أو شرًا ، فإنه سيجازي كل عامل بعمله .

وقال أبو جعفر بن جرير في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } وهذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين ، أنهم مهما فعلوا من خير أو شر ، سرا أو علانية ، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء ، فيجزيهم بالإحسان خيرًا ، وبالإساءة مثلها . وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر ، فإن فيه وعدًا ووعيدًا وأمرًا وزجرًا . وذلك أنه أعْلَم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدوا في طاعته إذ كان ذلك مُدَّخرًا{[2527]} لهم عنده ، حتى يثيبهم عليه ، كما قال : { وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ } وليحذروا معصيته .

قال : وأما قوله : { بصير } فإنه مبصر صرف إلى " بصير " كما صرف مبدع إلى " بديع " ، ومؤلم إلى " أليم " ، والله أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا ابن بُكَير ، حدثني ابن لَهِيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر{[2528]} في هذه الآية { سَمِيعٌ بَصِيرٌ } يقول : بكل شيء بصير{[2529]} .


[2525]:في جـ، ط، ب، أ، و: "يحثهم".
[2526]:في جـ، ط، ب: "يمكن الله لهم".
[2527]:في ب، أ، و: "مذخورا".
[2528]:في جـ، ط، ب، أ: "يقرأ"، وفي و: "يقترئ".
[2529]:تفسير ابن أبي حاتم (1/336).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (110)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَمَا تُقَدّمُواْ لأنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قال أبو جعفر : قد دللنا فيما مضى على معنى إقامة الصلاة ، وأنها أداؤها بحدودها وفروضها ، وعلى تأويل الصلاة وما أصلها ، وعلى معنى إيتاء الزكاة ، وأنه إعطاؤها بطيب نفس على ما فُرضت ووَجبت ، وعلى معنى الزكاة واختلاف المختلفين فيها ، والشواهد الدالة على صحة القول الذي اخترنا في ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وأما قوله : { وَما تُقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ } فإنه يعني جل ثناؤه بذلك : ومهما تعملوا من عمل صالح في أيام حياتكم فتقدموه قبل وفاتكم ذخرا لأنفسكم في معادكم ، تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة ، فيجازيكم به . والخير : هو العمل الذي يرضاه الله . وإنما قال : تَجِدُوهُ والمعنى : تجدوا ثوابه . كما :

حُدثت عن عمار بن الحسن . قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : { تجِدُوهُ } يعني : تجدوا ثوابه عند الله .

قال أبو جعفر : لاستغناء سامعي ذلك بدليل ظاهر على معنى المراد منه ، كما قال عمر بن لجأ :

وَسَبّحَتِ المَدِينَةُ لا تَلُمْها رأتْ قَمَرا بِسُوقِهِمُ نَهَارا

وإنما أراد : وسبح أهل المدينة . وإنما أمرهم جل ثناؤه في هذا الموضع بما أمرهم به من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخيرات لأنفسم ، ليطهّروا بذلك من الخطأ الذي سلف منهم في استنصاحهم اليهود ، وركون من كان ركن منهم إليهم ، وجفاء من كان جفا منهم في خطابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : راعِنا إذ كانت إقامة الصلوات كفارة للذنوب ، وإيتاء الزكاة تطهيرا للنفوس والأبدان من أدناس الاَثام ، وفي تقديم الخيرات إدراك الفوز برضوان الله .

القول في تأويل قوله تعالى : { إنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } .

وهذا خبر من الله جل ثناؤه للذين خاطبهم بهذه الاَيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير وشرّ سِرّا وعلانية ، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء ، فيجزيهم بالإحسان جزاءه وبالإساءة مثلها . وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر ، فإن فيه وعدا ووعيدا ، وأمرا وزجرا وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدّوا في طاعته ، إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يُثيبهم عليه ، كما قال : وما تُقَدّمُوا لأِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ وليحذروا معصيته ، إذ كان مطلعا على راكبها بعد تقدمه إليه فيها بالوعيد عليها . وما أوعد عليه ربنا جل ثناؤه فمنهيّ عنه ، وما وعد عليه فمأمور به .

وأما قوله : بَصِيرٌ فإنه مُبْصِر صرف إلى بصير ، كما صرف مُبْدِع إلى بديع ، ومُؤْلم إلى أليم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (110)

{ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } عطف على فاعفوا كأنه أمرهم بالصبر والمخالفة والملجأ إلى الله تعالى بالعبادة والبر { وما تقدموا لأنفسكم من خير } كصلاة وصدقة . وقرئ { تقدموا } من أقدم { تجدوه عند الله } أي ثوابه .

إن الله بما تعملون بصير } لا يضيع عنده عمل . وقرئ بالياء فيكون وعيدا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (110)

{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }( 110 )

قالت فرقة من الفقهاء : إن قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة } عموم ، وقالت فرقة : هو من مجمل القرآن ، والمرجح أن ذلك عموم من وجه ومجمل من وجه ، فعموم من حيث الصلاة الدعاء ، فحمله على مقتضاه ممكن ، وخصصه الشرع بهيئات وأفعال وأقوال( {[1125]} ) ، ومجمل من حيث الأوقات ، وعدد الركعات والسجدات لا يفهم من اللفظ ، بل السامع فيه مفتقر إلى التفسير ، وهذا كله في { أقيموا الصلاة } ، وأما الزكاة فمجملة لا غير( {[1126]} ) .

قال الطبري : إنما أمر الله هنا بالصلاة والزكاة لتحط ما تقدم من ميلهم إلى أقوال اليهود { راعنا } [ البقرة : 104 ] ، لأن ذلك نهي عن نوعه ، ثم أمر المؤمنين بما يحطه( {[1127]} ) ، والخير المقدم منقض لأنه فعل ، فمعنى { تجدوه } تجدوا ثوابه وجزاءه ، وذلك بمنزلة وجوده . ( {[1128]} )

وقوله تعالى : { إن الله بما تعملون بصير } خبر في اللفظ معناه الوعد والوعيد .


[1125]:- فالعموم من حيث المعنى اللغوي، والمعنى الشرعي للصلاة.
[1126]:- لأنه ليس فيه تقدير لنصابها، ولا تحديد لأنواعها، ولا يعرفه السامع إلا بالشرح والتوضيح.
[1127]:- نقله أبو (ح) رحمه الله. وقال تعقيبا عليه: "ليس له ذلك الظهور"، البحر المحيط 1/349.
[1128]:- في صحيح البخاري، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟) قالوا يا رسول الله: ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: (فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر). وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، مالي لا أحب الموت؟ فقال: (هل لك مال؟) قال: نعم، قال: (ققدم مالك بين يديك، فإن المرء مع ماله، إن قدمه أحب أن يلحقه، وإن خلفه أحب التخلف).