معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

قوله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد } ، بالإتيان بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه . وقيل : أراد بالعهد ما يلتزمه الإنسان على نفسه . { إن العهد كان مسؤولا } ، قال السدي : كان مطلوباً . وقيل : العهد يسأل عن صاحب العهد ، فيقال : فيم نقضت ، كالمؤودة تسأل فيم قتلت ؟

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

يقول تعالى : { وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي : لا تتصرفوا له إلا بالغبطة { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } [ النساء : 2 ] و{ لا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } [ النساء : 6 ] .

وقد جاء في صحيح مسلم ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر : " يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفًا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي : لا تَأَمَّرَن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم{[17483]} " {[17484]} .

وقوله [ تعالى ]{[17485]} : { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ } أي الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها ، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه { إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا } أي : عنه .


[17483]:في ت: "بخيل".
[17484]:صحيح مسلم برقم (1826).
[17485]:زيادة من ت.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّىَ يَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } .

يقول تعالى ذكره : وقضى أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل ، إسرافا وبدارا أن يَكْبَروا ، ولكن اقرَبوه بالفَعْلَة التي هي أحسن ، والخَلّة التي هي أجمل ، وذلك أن تتصرّفوا فيه له بالتثمير والإصلاح والحيطة . وكان قتادة يقول في ذلك ما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاّ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ لما نزلت هذه الاَية ، اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا لا يخالطونهم في طعام أو أكل ولا غيره ، فأنزل الله تبارك وتعالى وَإن تُخالِطُوهُمْ فإخْوانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ فكانت هذه لهم فيها رُخْصة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلا تَقَرْبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاّ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب ، حتى نزلت وإنْ تُخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ . وقال ابن زيد في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلاَ تَقْرَبُوا مالَ اليتِيمِ إلاّ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ قال : الأكل بالمعروف ، أن تأكل معه إذا احتجت إليه ، كان أُبيّ يقول ذلك .

وقوله : حتى يَبْلُغَ أشُدّهُ يقول : حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل ، وتدبير ماله ، وصلاح حاله في دينه وأوْفُوا بالعَهْدِ يقول : وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام ، وفيما بينكم أيضا ، والبيوع والأشربة والإجارات ، وغير ذلك من العقود إنّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولاً يقول : إن الله جلّ ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه ، يقول : فلا تنقصوا العهود الجائزة بينكم ، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه ، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك . وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا يقال في الكلام : ليسئلنّ فلان عهد فلان .