معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

قوله تعالى : { والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور } من القبور .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه} فسقنا السحاب.

{إلى بلد ميت} يعني بالميت أنه ليس عليه نبت.

{فأحيينا به} بالماء {الأرض} فتنبت {بعد موتها} بعد إذ لم يكن عليها نبت.

{كذلك النشور} هكذا يحيون يوم القيامة بالماء كما يحيى الأرض بعد موتها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: والله الذي أرسل الرياح فتثير السحاب للحَيا والغيث "فَسقْناهُ إلى بَلَدٍ مَيّتٍ "يقول: فسقناه إلى بلد مجدب الأهل، محل الأرض، داثر لا نبت فيه ولا زرع.

"فَأحْيَيْنا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها" يقول: فأخصبنا بغيث ذلك السحاب الأرض التي سقناه إليها بعد جدوبها، وأنبتنا فيها الزرع بعد المحل.

"كَذلكَ النّشُورُ" يقول تعالى ذكره: هكذا يُنْشِر الله الموتى بعد بلائهم في قبورهم، فيحييهم بعد فنائهم، كما أحيينا هذه الأرض بالغيث بعد مماتها.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أجرى سُنَّتَه بأنه يُظْهِرُ فَضْلَه في إحياء الأرض بالتدريج؛ فأولاً يرسل الرياح ثم يأتي بالسحاب، ثم يوجِّه ذلك السحاب إلى الموضع الذي يريد له تخصيصاً كيف يشاء، ويُمْطِرُ هناك كيف يشاء، كذلك إذا أراد إحياءَ قلبِ عبدٍ بما يسقيه وينزل عليه من أَمطار عنايته، فيُرْسِلُ أولاً رياحَ الرجاء، ويزعج بها كوامنَ الإرادة، ثم ينشئ فيها سُحُبَ الاهتياج، ولوعةَ الانزعاج، ثم يجود بمطرٍ يُنْبِتُ في القلب أزهارَ البَسْطِ، وأَنوارَ الرَّوْح، فيطيب لصاحِبه العَيْشُ إلى أن تمَّ لطائفُ الأنْسِ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: لم جاء {فَتُثِيرُ} على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟ قلت؛ ليحكي الحال التي تقع فيها أثارة الرياح السحاب، وتستحضر تلك الصور البديعة الدالة على القدرة الربانية، وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها: لما كانا من الدلائل على القدرة الباهرة قيل: فسقنا، وأحيينا؛ معدولاً بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدلّ عليه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

هذه آية احتجاج على الكفرة في إنكار البعث من القبور، فدلهم تعالى على المثال الذي يعاينونه وهو سواء مع إحياء الموتى.

{النشور} مصدر نشر الميت إذا حيي، ومنه قول الأعشى: يا عجبا للميت الناشر.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

هبوب الرياح دليل ظاهر على الفاعل المختار وذلك لأن الهواء قد يسكن، وقد يتحرك، وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين، وقد يتحرك إلى اليسار، وفي حركاته المختلفة قد ينشئ السحاب، وقد لا ينشئ، فهذه الاختلافات دليل على مسخر مدبر ومؤثر مقدر، وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: قال تعالى: {والله الذي أرسل} بلفظ الماضي وقال: {فتثير سحابا} بصيغة المستقبل، وذلك لأنه لما أسند فعل الإرسال إلى الله وما يفعل الله يكون بقوله كن، فلا يبقى في العدم لا زمانا ولا جزأ من الزمان، فلم يقل بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه، كأنه كان وكأنه فرغ من كل شيء، فهو قدر الإرسال في الأوقات المعلومة إلى المواضع المعينة والتقدير كالإرسال، ولما أسند فعل الإثارة إلى الريح وهو يؤلف في زمان فقال: {تثير} أي على هيئتها.

...

...

...

المسألة الثالثة: وجه التشبيه بقوله: {كذلك النشور} فيه وجوه:

أحدها: أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها، كذلك الأعضاء تقبل الحياة. وثانيها: كما أن الريح يجمع القطع السحابية، كذلك يجمع بين أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء.

وثالثها: كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت.

المسألة الرابعة: ما الحكمة في اختيار هذه الآية من بين الآيات، مع أن الله تعالى له في كل شيء آية تدل على أنه واحد، فنقول لما ذكر الله أنه فاطر السموات والأرض، وذكر من الأمور السماوية والأرواح وإرسالها بقوله: {جاعل الملائكة رسلا} ذكر من الأمور الأرضية الرياح وإرسالها بقوله: {والله الذي أرسل الرياح}...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

الإثارة خاصية للرياح وأثر لا ينفك في الغالب عنها، فلا يوجد إلا بعد إيجادها فيكون مستقبلاً بالنسبة إلى الإرسال، وعلى هذا يكون استعمال المضارع على ظاهره وحقيقته من غير تأويل، لأن المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم، والفاء دالة على عدم تراخي ذلك، وهو شيء آخر،وجوز أن يكون الإتيان بما يدل على الماضي ثم بما يدل على المستقبل، إشارة إلى استمرار الأمر وأنه لا يختص بزمان دون زمان، إذ لا يصح الماضي والاستقبال في شيء واحد إلا إذا قصد ذلك.

فأحيينا به الأرض، دون فأحييناه أي البلد الميت به، تعليقاً للإحياء بالجنس المعلوم عند كل أحد وهو الأرض، ولأن ذلك أوفق بأمر البعث.

{الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} مع أن الإحياء مؤذن بذلك، لما فيه من الإشارة إلى أن الموت للأرض الذي تعلق بها الإحياء معلوم لهم، وبذلك يقوى أمر التشبيه فليتأمل...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(فأحيينا به الأرض بعد موتها)... وتتم الخارقة التي تحدث في كل لحظة والناس في غفلة عن العجب العاجب فيها، وهم مع وقوع هذه الخارقة في كل لحظة يستبعدون النشور في الآخرة، وهو يقع بين أيديهم في الدنيا...

(كذلك النشور).. في بساطة ويسر، وبلا تعقيد ولا جدل بعيد!... لا سبيل إلى المكابرة فيه... وهو مشهد بهيج جميل مثير، وبخاصة في الصحراء حيث يمر عليها الإنسان اليوم وهي محل جدب جرداء، ثم يمر عليها غداً وهي ممرعة خضراء من آثار الماء، والقرآن يتخذ موحياته من مألوف البشر المتاح لهم، مما يمرون عليه غافلين، وهو معجز معجب حين تتملاه البصائر والعيون...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما قدم في أول السورة الاستدلال بأن الله فطر السماوات والأرض وما في السماوات من أهلها وذلك أعظم دليل على تفرده بالإِلهية، ثنّي هنا بالاستدلال بتصريف الأحوال بين السماء والأرض وذلك بإرسال الرياح وتكوين السحاب وإنزال المطر، فهذا عطف على قوله: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]

واختير من دلائل الوحدانية، دلالة تجمع أسباب المطر ليفضي من ذلك إلى تنظير إحياء الأموات بعد أحوال الفناء بآثار ذلك الصنع العجيب وأن الذي خلق وسائل إحياء الأرض قادر على خلق وسائل إحياء الذين ضمنتهم الأرض على سبيل الإِدماج، وإذ قد كان القصد من الاستدلال هو وقوع الإِحياء، وتقرر وقوعه جيء بفعل الماضي في قوله: {أرسل}.

وأما تغييره إلى المضارع في قوله: {فتثير سحاباً} فلحكاية الحال العجيبة التي تقع فيها إثارة الرياح السحابَ، وهي طريقة للبلغاء في الفعل الذي فيه خصوصية بحال تستغرب وتهم السامع...

{كذلك النشور} إلى المذكور من قوله: {فأحيينا به الأرض}، والأظهر أن تكون الإِشارة إلى مجموع الحالة المصورة، أي مثل ذلك الصنع المحكم المتقن، نصنع صنعاً يكون به النشور؛ بأن يهيّئ الله حوادث سماوية أو أرضية أو مجموعة منهما، حتى إذا استقامت آثارها وتهيأت أجسام لقبول أرواحها، أمر الله بالنفخة الأولى والثانية، فإذا الأجساد قائمة ماثلة، نظير أمرِ الله بنفخ الأرواح في الأجنة عند استكمال تهيئها لقبول الأرواح...

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

ولما أخبر تعالى أنه لا بد من إيجاد ما وعد به من البعث وغيره ، وحذر كل التحذير من التهاون بأمره ، وأنكر التسوية بين المصدق به والمكذب ، وكان السبب في الضلال المميت للقلوب الهوى الذي يغشى سماء العقل ويعلوه بسحابه المظلم فيحول بينه وبين النفوذ ، وكان السبب في السحاب المغطي لسماء الأرض المحيي لميت الحبوب الهوى ، وكان الإتيان به في وقت دون آخر دالاً على القدرة بالاختيار ، قال عاطفاً على جملة { إن وعد الله حق } المبني على النظر ، وهو الإخراج من العدم مبيناً لقدرته على ما وعد به : { والله } أي الذي له صفات الكمال لا شيء غيره من طبيعة ولا غيرها { الذي } ولما كان المراد الإيجاد من العدم ، عبر بالماضي مسنداً إليه لأنه الفاعل الحقيقي فقال : { أرسل الرياح } أي أوجدها من العدم مضطربة فيها ، أهلية الاضطراب والسير ليصرفها كيف شاء لا ثابتة كالأرض ، وأسكنها ما بين الخافقين لصلاح مكان الأرض .

ولما كانت إثارتها تتجدد كلما أراد أن يسقي أرضاً ، قال مسنداً إلى الرياح لأنها السبب ، معبراً بالمضارع حكاية للحال لتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على تمام القدرة ، وهكذا تفعل العرب فيما فيه غرابة تنبيهاً للسامع على ذلك وحثّاً له على تدبره وتصوره : { فتثير } أي بتحريكه لها إذا أراد { سحاباً } أي أنه أجرى سبحانه سنته أن تظهر حكمته بالتدريج .

ولما كان المراد الاستدلال على القدرة على البعث ، وكان التعبير بالمضارع يرد التعنت ، عبر بالمضارع . ولما كان سوق السحاب إلى بلد دون آخر وسقيه لمكان دون مكان من العظمة بمكان ، التفت عن الغيبة وجعله في مظهر العظمة فقال : { فسقناه } أي السحاب معبراً بالماضي تنبيهاً على أن كل سوق كان بعد إثارتها في الماضي والمستقبل منه وحده أو بواسطة من أقامه لذلك من جنده من الملائكة أو غيرهم ، لا من غيره ، ودل على أنه فرق بين البعد والقرب بحرف الغاية فقال : { إلى بلد ميت } .

ولما كان السبب في الحياة هو السحاب بما ينشأ عنه من الماء قال : { فأحيينا به الأرض } ولما كان المراد إرشادهم إلى القدرة على البعث الذي هم به مكذبون ، قال رافعاً للمجاز بكل تقدير وموضحاً كل الإيضاح للتصوير : { بعد موتها } ولما أوصل الأمر إلى غايته ، زاد في التنبيه على نعمة الإيجاد الثاني بقوله : { كذلك } أي مثل الإحياء لميت النبات { النشور * } حسّاً للأموات ، ومعنى للقلوب والنبات ، قال القشيري : إذا أراد إحياء قلب يرسل أولاً رياح الرجاء ، ويزعج بها كوامن الإرادة ، ثم ينشىء فيه سحاب الاهتياج ، ولوعة الانزعاج ، ثم يأتي مطر الحق فينبت في القلب أزهار البسط وأنوار الروح ، ويطيب لصاحبه العيش إلى أن تتم لطائف الإنس .